الجزائر فوق فوهة البركان: بعد سقوط ورقة البوليساريو… ملف الصحراء الشرقية يطرق أبواب قصر المرادية

بوشعيب البازي

منذ عام 1975، بنى النظام الجزائري جزءاً كبيراً من سياسته الخارجية على دعم جبهة البوليساريو مالياً وعسكرياً، في رهانٍ طويل الأمد على إضعاف المغرب وإعادة رسم توازنات المنطقة المغاربية. غير أن هذه الورقة التي شكلت على مدى عقود إحدى ركائز الدبلوماسية الجزائرية، بدأت اليوم تنقلب على أصحابها، بعدما دخلت الجبهة مرحلة الاحتضار السياسي والعسكري، وتحولت من ورقة ضغط إلى عبء ثقيل يهدد تماسك النظام نفسه.

انهيار مشروع البوليساريو

تعيش مخيمات تندوف اليوم على وقع الانهيار التنظيمي والمعنوي، بعد عقود من التلاعب بمصير آلاف الصحراويين المحتجزين في ظروف لا إنسانية. وقد كشفت تقارير أوروبية وأممية متواترة عن عمليات اختلاس ممنهج للمساعدات الإنسانية الموجهة لهؤلاء، تورط فيها قادة من الجبهة ومسؤولون جزائريون. بل إن أغلب ساكنة المخيمات ـ وفق معطيات استخباراتية غربية ـ لا تنتمي أصلاً للأقاليم الصحراوية المغربية، بل قدمت من عمق الصحراء الجزائرية ودول الساحل الإفريقي، وهو ما يسقط الخطاب الرسمي الجزائري عن “حق تقرير المصير” في فراغٍ أخلاقي وقانوني كامل.

عبء اقتصادي وأزمة شرعية

في خضم أزمة اجتماعية خانقة وتدهور اقتصادي متسارع، يواصل النظام الجزائري إنفاق ما يقارب مليار دولار سنوياً على تمويل الجبهة وصيانة بنياتها في الخارج. هذا في وقتٍ يعاني فيه ملايين الشباب الجزائري من البطالة واليأس وانسداد الأفق. ومع تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية واتساع رقعة الفقر، أصبح من الصعب تبرير استمرار هذه النفقات في مشروع ميت سياسيّاً.

إقرأ أيضا : محمد السادس… ربع قرن من التحول الهادئ وبناء المغرب الحديث

إلى جانب ذلك، جاء انكشاف النظام أمام الرأي العام الداخلي والخارجي ليعمق أزمته الشرعية. فالمؤسسة العسكرية التي تمسك بكل مفاصل القرار، ممثلة في الجنرال سعيد شنقريحة والرئيس عبد المجيد تبون، تجد نفسها اليوم محاصرة بين تصدّع داخلي في منطقة القبائل بقيادة فرحات مهني، وعزلة دبلوماسية غير مسبوقة بفعل تراجع النفوذ الجزائري في إفريقيا والساحل.

التحولات الإقليمية وانكسار العزلة المغربية

لقد شكلت اتفاقيات أبراهام نقطة تحول كبرى في ميزان القوى الإقليمي. فبينما نجح المغرب في توسيع شبكة تحالفاته الاستراتيجية وتكريس سيادته على أقاليمه الجنوبية باعتراف دولي متزايد، وجدت الجزائر نفسها في عزلة خانقة، بعدما فقدت قدرتها على المناورة في المحافل الإفريقية والعربية.

وتزامناً مع تراجع نفوذها في الساحل وتفكك تحالفاتها، كشفت تقارير أمنية عن تورط عناصر من جبهة البوليساريو في شبكات تهريب السلاح والمخدرات العابرة للحدود، بل وفي عمليات إرهابية ضد قوات “Africa Corps” الروسية في شمال مالي، وهو ما بات يثير قلق موسكو نفسها، أحد أبرز الشركاء العسكريين للجزائر.

الصحراء الشرقية… الخط الأحمر الذي يخشاه النظام

مع أفول مشروع البوليساريو، بدأ ملف الصحراء الشرقية يطل برأسه مجدداً، ليعيد إلى الواجهة حقائق تاريخية وجغرافية حاول النظام الجزائري طمسها لعقود. فالمناطق التي اقتطعتها فرنسا من التراب المغربي وضمتها إلى الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية، تعود اليوم إلى النقاش العام بقوة، في ظل التحولات الجيوسياسية الإقليمية وتنامي الخطاب الوطني المغربي المطالب باسترجاع الحقوق التاريخية.

إقرأ أيضاً :  بعد نهاية نزاع الصحراء… إلى أين سيذهب “لاجئو” تندوف؟

ويبدو أن هذا الملف هو ما كانت الجزائر تخشاه منذ البداية، حين راهنت على خلق كيان وهمي في الصحراء المغربية لصرف الأنظار عن الصحراء الشرقية. غير أن نهاية البوليساريو تفتح الباب واسعاً أمام إعادة طرح هذا الملف المشروع على الطاولة، خصوصاً بعد أن فشلت الجزائر في كل محاولاتها لطمس الذاكرة التاريخية المشتركة بين الشعبين.

الجزائر بين التفكك والانفجار

بات النظام الجزائري يعيش فوق فوهة بركان حقيقي. فبين تصاعد النزعات الانفصالية في منطقة القبائل، وتنامي الغضب الشعبي من سياسات التفقير والقمع، وتورط الجيش في ملفات فساد وتجاوزات جسيمة، تبدو البلاد مقبلة على مرحلة دقيقة قد تحدد مستقبلها لسنوات طويلة.

لقد انتهت مرحلة المتاجرة بملف الصحراء، وبدأت مرحلة الحسابات الداخلية المؤجلة. فالنظام الذي بنى شرعيته على وهم “دعم تقرير المصير”، يواجه اليوم خطر تفكك داخلي حقيقي، فيما تطرق الحقيقة التاريخية والجغرافية باب قصر المرادية بقوة: لقد حان الوقت لفتح ملف الصحراء الشرقية واستعادة الذاكرة الوطنية المغربية من جديد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com