عبقرية غالي: حين يسخّر الله دولة كاملة لتدافع عنك وأنت في إجازة دائمة

بوشعيب البازي

من كان يظن أن رجلاً واحداً، محدود الكاريزما، قليل الظهور، يستطيع أن يجعل من دولة بحجم الجزائر بكل مؤسساتها وأموالها وإعلامها ودبلوماسيتها، جنداً مجنداً لخدمته، وكأنها بعثت من جديد لأجل مهمة واحدة، الدفاع عن “قضية” لا تخصها؟

إنه بلا شك من علامات “النباهة” السياسية، أو ربما “البركة” التي تسخّر لك من لا حول لهم ولا قوة إلا في الصراخ من أجلك.

إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو، لا يكتب بيانات نارية، ولا يخرج في المؤتمرات ليهاجم هذا أو يرد على ذاك، ولا يسحب السفراء ولا يعقد المؤتمرات، بل هو في موقع المتفرج الدائم. يعيش، كما تقول مصادر من داخل الجبهة، حياة مترفة تتنقل بين إسبانيا والمالديف، في حين يخوض الجزائريون — حكومة وإعلاماً وجيشاً إلكترونياً — حرباً كلامية يومية مع المغرب باسمه.

كل تعليق جزائري على وسائل التواصل الاجتماعي، كل تغريدة تهاجم المغرب، كل بيان ناري من وزارة الخارجية الجزائرية، ليست سوى جزء من أوركسترا ضخمة تعزف لحن الولاء لغالي، الذي يكتفي بالابتسامة من بعيد.

هو لا يكتب تعليقاً واحداً، بينما الملايين من “الجنود الرقميين” الجزائريين يقضون يومهم في معارك افتراضية دفاعاً عن “القائد” الذي لا يسمع حتى ضجيجهم.

الجزائر: الدولة التي تحب غالي أكثر مما يحب هو نفسه

لا أحد يعرف السرّ العاطفي الغامض بين النظام الجزائري و”قائد المخيمات”. كأنّ هناك حباً أبدياً، أو عقد زواج سياسي أبدي، وقّعته الجزائر منذ السبعينيات وما زالت تدفع “النفقة” الشهرية حتى اليوم.

لقد صرفت ما يفوق 250 مليار دولار في سبيل إبقاء “الجبهة” على قيد الحياة الاصطناعية، وهو رقم كفيل ببناء قارة كاملة من المدارس والمستشفيات والمصانع…

لكنّ الحكومة الجزائرية فضّلت أن تشتري الوهم على أن تبني وطناً.

ومن باب الغيرة، إذا هاجم المغرب الجبهة يوماً، تتشنج وزارة الخارجية الجزائرية، وتستنفر القنوات الرسمية، وتخرج البيانات، وتشتعل مواقع التواصل، وكأنّهم يدافعون عن ابنهم الوحيد الذي نجح في امتحان الكسل بشرف

الزعيم الذي لا يرد.. ولا يحتاج أن يرد

هنا تكمن المفارقة المضحكة: كيف يمكن لزعيم أن يُعتبر بطلاً قومياً وهو لا يشارك في أي صراع دبلوماسي، ولا يتحمل أي تبعات سياسية؟

ربما لأن الجزائر لم تترك له شيئاً ليفعله.

لقد تحولت إلى “المتحدث الرسمي باسمه”، و”المحامي السياسي عنه”، و”الخازن العام” لميزانية نضاله، حتى بات غالي يعيش في راحة “الملوك”، محاطاً بخدمات مجانية من دولة قررت أن تكون أكثر إخلاصاً لقضيته منه نفسه.

السحر أم الذكاء أم رضى الوالدين؟

أن تسخّر لك دولة بكاملها — بوزاراتها، وسفرائها، وإعلامها، وجيشها الإلكتروني — لتدافع عنك وأنت لا تدافع حتى عن نفسك، فذلك لا يمكن تفسيره بعلم السياسة فقط.

إنه نوع من “السحر السياسي” أو “رضى الوالدين”، كما يقول المثل الشعبي المغربي، لأن المنطق لا يستطيع تفسير كيف يعيش رجل هادئ في جزر المالديف بينما تُستنزف خزائن الجزائر تحت راية الدفاع عنه.

في نهاية المطاف، يظهر غالي كرمز لمعادلة عبثية في السياسة الإقليمية، رجل بلا مجهود، ودولة بلا منطق.

الجزائر تخسر سمعتها وأموالها كل يوم، بينما “الزعيم” يربح صمته وهدوءه على الشاطئ، مطمئناً إلى أن دولة كاملة تقوم بالواجب نيابة عنه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com