تندوف على صفيح ساخن عشية تصويت مجلس الأمن: حصار، خوف، وتمرد صامت

بوشعيب البازي

عشية تصويت مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار المتعلق بتجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء المغربية (المينورسو)، تسود أجواء من التوتر المفرط داخل مخيمات تندوف الواقعة في الجنوب الغربي الجزائري، والتي تسيطر عليها ميليشيات جبهة البوليساريو بدعم مباشر من الجيش الجزائري.

بحسب مصادر متطابقة من داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية ومن محيط قصر المرادية، فإن وحدات مسلحة تابعة لجبهة البوليساريو، مدعومة بعناصر من الجيش الجزائري، قامت بتطويق شامل للمخيمات، وذلك بناءً على تعليمات من رئيس أركان الجيش الفريق سعيد شنقريحة، من دون علمٍ مباشر أو موافقة رسمية من الرئيس عبد المجيد تبون. الهدف من هذه العملية، وفق المصادر نفسها، هو منع أي احتجاج أو محاولة فرار من جانب السكان الصحراويين المقيمين في تلك المخيمات.

رسالة تحدٍّ للمجتمع الدولي

في بيان شديد اللهجة بثّه في الساعات الماضية، أعلن ما يُسمّى بـ«جبهة البوليساريو» رفضه القاطع لمشروع القرار الذي يحظى بدعم الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الأوروبية، وعدد من الدول العربية والإفريقية واللاتينية، والذي يُكرّس دعم المجتمع الدولي لخطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب كحلّ سياسي واقعي ومستدام للنزاع حول الصحراء.

البيان، الذي وُصف في الأوساط الدبلوماسية بأنه رسالة تحدٍّ أكثر منه موقفاً سياسياً، جاء ليؤكد أن الجبهة «لن تشارك في أي عملية سياسية تهدف إلى شرعنة ما تسميه بالاحتلال غير الشرعي للصحراء الغربية»، في ما يبدو أنه محاولة لإحياء خطابٍ تجاوزه الواقع الميداني والدبلوماسي منذ سنوات.

حالة طوارئ غير معلنة في المخيمات

على الأرض، الوضع يتدهور. شهود عيان ومصادر محلية تحدثوا عن إقامة حواجز أمنية مكثفة ونقاط تفتيش مسلحة في محيط مخيمات الرابوني وسمارة وأوسرد، ترافقها دوريات مشتركة بين ميليشيات البوليساريو ووحدات من الدرك الجزائري. الهدف واضح: منع الاحتجاجات الشعبية ومراقبة التحركات داخل المخيمات.

عدد من سكان ولاية تندوف تحدثوا عن مناخ خوف يسوده القمع والاعتقالات العشوائية، وعن حالة أقرب إلى الحصار العسكري، حيث يُمنع التنقل إلا بتصاريح محدودة، ويُخضع السكان لتفتيش دقيق في مداخل ومخارج المخيمات.

بداية تمرد داخلي؟

مصادر محلية أكدت أن القرار بتطويق المخيمات جاء بعد اندلاع احتجاجات متفرقة في الأيام الأخيرة، قادها شباب غاضبون يطالبون بالشفافية في تسيير المساعدات الإنسانية، ويتهمون قيادة البوليساريو بـ«الفساد والتبعية الكاملة للجيش الجزائري». هذه التحركات، وإن كانت محدودة، تعكس تصدعات داخلية عميقة داخل المخيمات، وتراجع الولاء لقيادة الجبهة التي أصبحت تُوصَف من قبل سكانها بأنها «كيان مفلس سياسياً ومادياً».

منظمات إنسانية دولية كانت قد نبهت منذ أشهر إلى التدهور الخطير في وضعية حقوق الإنسان داخل هذه المخيمات، وإلى القيود المفروضة على حرية التنقل والتعبير. كما أشار تقرير صادر عن هيئات حقوقية أوروبية إلى أن شريحة واسعة من الشباب الصحراوي تعيش حالة من الإحباط والعزلة، وسط غياب شبه تام لأي أفق اقتصادي أو اجتماعي، في ظل تراجع الدعم الخارجي وتآكل الخطاب الانفصالي.

بين نيويورك وتندوف: عالمان متوازيان

بينما يترقب المجتمع الدولي في نيويورك نتائج التصويت الأممي حول ولاية المينورسو، يعيش الآلاف من سكان مخيمات تندوف واقعاً مغايراً تماماً. فالقرارات التي تُناقش في أروقة مجلس الأمن، تبدو بالنسبة لهؤلاء بعيدة عن معاناتهم اليومية في ظل حصار أمني خانق وغياب تام لأي حماية قانونية أو إنسانية.

هكذا تتحول المخيمات، يوماً بعد يوم، إلى فضاء مغلق تحكمه قبضة عسكرية مزدوجة: بوليساريو تتحكم باسم «الشرعية الثورية»، وجيش جزائري يحكم باسم «الأمن القومي». وبين الطرفين، شعب صحراوي عالق بين حسابات إقليمية وأوهام أيديولوجية.

ما يجري في تندوف ليس حدثاً معزولاً، بل هو مؤشر على انهيار تدريجي لنظام الوصاية الذي تفرضه الجزائر عبر جبهة البوليساريو. فمع تعاظم الدعم الدولي لخطة الحكم الذاتي المغربية، يجد النظام الجزائري نفسه محاصراً بين خيارين أحلاهما مرّ: التخلي عن ورقة البوليساريو أو مواجهة تداعيات تمرده الداخلي.

وفي انتظار تصويت مجلس الأمن، يبدو أن أخطر ما يتهدد قادة الجبهة ليس القرار الأممي، بل سخط من يدّعون تمثيلهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com