غسيل الأدمغة في الجزائر: كيف صنع نظام الكابرانات أسطورة “المغرب الجائع”؟

بقلم: بوشعيب البازي

منذ عقود، عمل النظام الجزائري، الذي يختبئ خلف واجهة مؤسساتية متآكلة، على صناعة صورة مشوّهة عن المغرب في أذهان الجزائريين. منابر إعلامية رسمية، برامج مدرسية، خطابات سياسية مشحونة، وموجات متكرّرة من الدعاية… كلها أدوات استخدمها نظام الكابرانات لغسل أدمغة شعب كامل وإقناعه بأن المغرب بلد فقير، يعاني الجوع والتشرّد، وأن فتح الحدود بين البلدين سيكون “كارثة اقتصادية على الجزائر”.

لكن الغريب في هذه المعادلة ليس الدعاية ذاتها، بل نجاحها. فجزء واسع من الرأي العام الجزائري تبنّى هذه السردية الرسمية، وراح يطالب بإغلاق الحدود خوفاً من “اجتياح المغاربة الباحثين عن لقمة العيش”. مفارقة مريرة في بلد يملك من الثروات ما يجعله في مصاف الدول الغنية، لكنه غارق في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بينما يصنع الوهم لتبرير فشل الداخل.

العدو الخارجي كبديل عن الإصلاح الداخلي

منذ استقلال الجزائر، وجد النظام العسكري في “العدو الخارجي” وسيلة لتبرير الإخفاقات. فحين تعجز الدولة عن بناء اقتصاد منتج، أو احتواء السخط الاجتماعي، تُوجَّه الأنظار نحو المغرب. الإعلام الرسمي يُصدّر صورة مضحكة أحياناً ومخيفة أحياناً أخرى عن بلد يعيش “على الفتات”، بينما الواقع الميداني في المغرب يعكس العكس تماماً: استقرار سياسي، إصلاحات اقتصادية متراكمة، انفتاح دبلوماسي، واستثمارات أجنبية متزايدة من إفريقيا إلى أوروبا.

لقد تحوّل خطاب الكابرانات إلى ما يشبه العقيدة الرسمية، تُكرَّر صباح مساء: “المغرب فقير، المغرب يستفيد منا، المغرب خطر علينا.”

وفي ظل غياب فضاءات نقاش حرّ أو إعلام مستقل، تكرّست هذه الأكاذيب حتى أصبحت “حقيقة” في الوعي الجمعي.

المغرب.. الكرامة قبل الاقتصاد

في المقابل، لم يتعامل المغرب مع قضية الحدود بنفس المنطق العدواني. فمنذ تولي جلالة الملك محمد السادس العرش، صدرت مبادرات متكرّرة تدعو إلى فتح الحدود، ليس لمصلحة اقتصادية بحتة، بل لاعتبارات إنسانية وتاريخية وروابط دم وجوار.

الخطاب الملكي لطالما حمل نبرة أخوّة وتعاون، في مقابل عناد رسمي جزائري لا يرى في المغرب سوى خصم يجب محاصرته سياسياً وإعلامياً.

لكن الزمن تغيّر. بعد الاعترافات الدولية المتلاحقة بمغربية الصحراء، وبعد انكشاف خطاب الكراهية الجزائري للعالم، بات المزاج المغربي الشعبي يميل إلى رفض أي تقارب. ففتح الحدود اليوم لم يعد يُنظر إليه كرمز للأخوّة، بل كخطر محتمل على الأمن والاستقرار.

التاريخ لا ينسى: الإرهاب الجزائري فوق التراب المغربي

ليست المخاوف المغربية من فراغ. فقد سجّل التاريخ أكثر من عملية إرهابية تورّطت فيها عناصر جزائرية فوق التراب المغربي، خصوصاً في التسعينيات، حين حاولت الجماعات المسلحة التسلّل إلى الداخل المغربي لنشر الفوضى.

اليوم، ومع تصاعد الخطاب العدائي من قصر المرادية، لا يستبعد مراقبون أن يسعى النظام الجزائري مجدداً لتصدير أزماته عبر دعم أعمال تخريبية أو تحريك خلايا نائمة، في محاولة بائسة لتقويض النموذج المغربي المستقر.

من غسيل الدماغ إلى عزلة الشعب

لقد تحوّل الشعب الجزائري، بفعل هذا التوجيه الدعائي الممنهج، إلى ضحية مزدوجة:

  • ضحية لنظام يحرمه من التنمية والحرية.
  • وضحية لآلة دعائية زرعت فيه الكراهية تجاه الجار الذي كان يوماً رمز الأخوّة والتاريخ المشترك.

وبينما يتقدّم المغرب في مساره التنموي والدبلوماسي بثقة وهدوء، يغرق النظام الجزائري في هوس المقارنة، ويواصل تلقين شعبه دروساً في العداء المجاني.

حين يصبح الصمت المغربي جواباً

اليوم، لم يعد المغرب بحاجة إلى الرد على الأكاذيب أو فتح النقاش حول الحدود. فالمواقف الدولية، ومؤشرات التنمية، وشهادات الواقع، كفيلة بتفنيد كل سردية خادعة.

لقد اختار المغرب طريق البناء، بينما اختار الكابرانات طريق الهدم.

وبين مشروع دولة ومشروع نظام، يظهر الفارق واضحاً، في حين يتحدث المغرب بلغة المستقبل، ما زالت الجزائر الرسمية تتحدث بلغة الخوف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com