لماذا قد تكون «الصحراء الغربية» نقطة ضعف قادرة —نظرياً— على إضعاف النظام الجزائري؟ تحليل صحفي معمّق

بوشعيب البازي

إن ربط مصير دولة كاملة بعامل واحد —بغض النظر عن قوّته الرمزية— يتطلّب حذراً منهجياً. مع ذلك، إذا اعتبرنا «الصحراء الغربية» عاملاً مركزيّاً في استراتيجية الجزائر الإقليمية، فثمّة مجموعة من المسارات المترابطة —الدبلوماسية، الاقتصادية، الأمنية، والداخلية— التي تجعل هذا الملف مصدر ضعف يمكن أن يتفاقم إلى تهديد حقيقي للاستقرار النظامي إذا اجتمعت الظروف السلبية. في ما يلي تحليل منظم للأسباب والآليات والدلالات، مع عرض سيناريوهات وخيارات احتواء.

أبعاد دبلوماسية متغيّرة: تراجع التحالفات وارتفاع العزلة

خلال السنوات الأخيرة شهدنا تحوّلات إقليمية ودولية لصالح المغرب (بما في ذلك اعتراف دول واستثمارات متزايدة مع الرباط)، ما قلّص هامش المناورة الجزائرية في الضغط الدولي لصالح جبهة البوليساريو. تحركات واشنطن وأوروبا لدعم مقاربة مغربية أو لاعتبار مقترحات الحكم الذاتي كـ”خارطة طريق” عمليّة تُضعِف موقع الجزائر كحامي حصري للملف. هذه التحولات تُترجَم عملياً بتقلّص الدعم السياسي الدولي للخط الجزائري وبتصاعد فرص إدماج أطراف إقليمية في حلّ يهمّش دور الجزائر. 

عزلة دبلوماسية متزايدة وتجريد الجزائر من «رصيد رمزي» مهمّ في الساحة المغاربية والقارية، ما يسمح للمنافس الإقليمي (المغرب) باستغلال فتحات سياسية واقتصادية ضد الجزائر.

تكاليف أمنية وعسكرية غير مرئية بالكامل

دعم جبهة البوليساريو يحتّم على الجزائر إنفاق موارد استخبارية ولوجستية وربما عسكرية (بصيغ متعدّدة)، كما يفرض التزاماً طويل الأمد في ملف نزاعي مفتوح. على وقع تجدد العنف في الصحراء الغربية منذ 2020، أي تصعيد إقليمي يعيد تشكيل ميزان القوى يرفع فاتورة الأمن بالنسبة للجزائر (بما في ذلك تعزيز القدرات الدفاعية وتعزيز الجناح الاستخباراتي). هذا الضغط يأتي في وقت تزداد فيه الحاجة إلى موارد للاحتواء الداخلي. 

هشاشة اقتصادية تكبّل القدرة على المناورة

الاقتصاد الجزائري يعتمد بشكل كبير على العائدات الهيدروكربونية؛ هذه الاعتمادية تجعل الميزانية والقدرة على دعم ملفات خارجية حساسة عرضة لصدمات أسعار النفط والغاز أو لقرارات استثمارية دولية سلبية. أي استنزاف مادي طويل الأمد لدعم ملف خارجي أو أي عزلة تقلّص الشراكات الاستثمارية الأجنبية سيقوّض سريعاً من قدرة النظام على التمويل السياسي والاجتماعي الذي يعتمد عليه للحفاظ على الاستقرار. تقارير المؤسسات المالية الدولية تُشير إلى عرضة الاقتصاد الجزائري لمخاطر تقلب الأسعار ومخاطر مالية أساسية. 

استنزافٍ داخلي للشرعية: من «الرمزية» إلى مطالب مادية

الالتزام القوي بملف الصحراء الغربية يمنح النظام هالة وطنية، لكن هذه الهالة قابلة للتآكل إذا صار دعم الملف مكلفاً مادياً في وقت يزداد فيه ضغط المواطنين، بطالة، غياب تنويع اقتصادي، قمع مطالب الحراك (HIRAK) وما يرافقه من غضب اجتماعي. القمع المتكرر للمعارضة وإضعاف الحراك الشعبي يقلّلان من مصداقية تفويض النظام لمواصلة سياسة خارجية مكلفة، خصوصاً إذا لم تُرفق هذه السياسة بنتائج ملموسة. تقارير حقوقية وثائقية توضح استمرار قيود الحريات بعد الحراك. 

 أدوات ضغط خارجيّة وتحوّلات حلفاء قد تقصم ظهر الخيار الجزائري

تحول مواقف دول كبرى (الولايات المتحدة، بعض دول أوروبا، والمملكة المتحدة) إلى مزيد من المرونة تجاه مقترحات المغرب —أو إلى تقارب اقتصادي مع الرباط— يقلّص قدرة الجزائر على استخدام ملف الصحراء كوسيلة ضغط إقليمية أو دولية. تحوّل التحالفات يمكن أن يفضي إلى عقوبات رمزية أو قيود تجارية أو فقدان فرص استثمارية استراتيجية لو استمرّ التوتر واعتبر الشركاء أن موقف الجزائر يعرقل الاستقرار الإقليمي. 

سيناريوهات محتملة (من الأكثر إلى الأقلّ احتمالاً)

  1. تآكل تدريجي للنفوذ مع احتفاظ بالنظام، الانعزال الدبلوماسي والضغط الاقتصادي يضعان قيوداً على السياسات الخارجية، لكن المؤسسة تبقى قادرة على البقاء عبر ضبط داخلي وعمليات توزيع موارد انتخابية/اجتماعية.
  2. أزمة شرعية داخلية متقطّعة: تفاقم الوضع الاقتصادي وزيادة القمع يطلق موجات احتجاجية متكررة، ما يضعف قدرة الدولة على مواصلة سياسات خارجية مكلفة.
  3. انسحاب أو تعديل إستراتيجي جزئي، الجزائر تُقدِم على ضبط الولاء لـالبوليساريو وتبحث عن صيغ تفاوضية تحفظ ماء الوجه، كجزء من مقايضات اقتصادية أو أمنية.
  4. تدهور حاد يؤدي إلى أزمة نظامية: أقل احتمالاً ولكنه ممكن في حالة تزامن صدمات اقتصادية شديدة، تآكل كامل للشرعية، وانقطاع التحالفات الإقليمية. هذا السيناريو يتطلّب تراكم عوامل متعددة.

هل «الصحراء الغربية» قادرة وحدها على «هلاك» الجزائر؟

الجواب العملي، لا توجد متغيّر وحيد يصنع انهياراً فوريّاً لنظام دولة؛ لكن ملف الصحراء الغربية يمكن أن يكون العامل الحاسم أو المُسرّع إذا تزامن مع أزمات اقتصادية داخلية، تراجع احتياطيات مالية، تآكل الشرعية الشعبية، وفقدان حلفاء دبلوماسيين. بعبارة أخرى، الصحراء ليست «السبب الوحيد» للهلاك المحتمل، لكنها تشكّل رأس حربةٍ يمكنه فتح جبهات متعدّدة تضعف قدرة النظام على البقاء

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com