بين القانون الدولي وحدود الواقعية: الدولة الصحراوية فوق التراب الجزائري
بوشعيب البازي
يُعرّف القانون الدولي العام الدولة باعتبارها كياناً ذا ثلاث مقومات أساسية: الإقليم، الشعب، والسلطة السياسية المستقلة. هذه المقومات تشكل المعايير التي أقرّتها اتفاقية مونتفيديو لعام 1933، والتي أصبحت مرجعاً كلاسيكياً في تحديد صفة الدولة في العلاقات الدولية. ومن هذا المنطلق، يصبح النقاش حول ما يسمى بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” نقاشاً قانونياً بقدر ما هو سياسياً، إذ يطرح أسئلة دقيقة حول موقع هذا الكيان في خارطة الشرعية الدولية.
إقليم على أرض الغير
من الناحية الواقعية، توجد “الجمهورية الصحراوية” فوق التراب الجزائري، وبالضبط في منطقة تندوف، حيث استقرت قيادات جبهة البوليساريو منذ منتصف السبعينيات بعد اندلاع النزاع حول الصحراء المغربية. في القانون الدولي، لا يمكن لأي كيان أن يمارس سيادته على إقليم دولة أخرى ذات سيادة، إلا بموافقة تلك الدولة أو عبر ترتيبات قانونية معترف بها دولياً، وهو ما لا ينطبق في حالة البوليساريو. فالجزائر، رغم تبنّيها لهذا الكيان ودعمها له سياسياً وعسكرياً ومالياً، لم تُقدِم يوماً على إعلان تنازلها عن سيادتها على تندوف، ما يجعل وجود “الدولة الصحراوية” هناك وضعاً مخالفاً للمنطق القانوني.
شعب بلا أرض
في الخطاب الرسمي لجبهة البوليساريو، هناك “شعب صحراوي” يسعى لتقرير مصيره. غير أن هذا الشعب يعيش، في معظمه، فوق الأراضي الجزائرية، بعيداً عن الصحراء المغربية التي تُعدّ محور النزاع. ومن منظور القانون الدولي، الشعب هو الجماعة البشرية المستقرة على إقليم محدد، وليست جالية سياسية مقيمة في مخيمات تحت وصاية دولة أخرى. لذلك، فإن مقولة “الدولة الصحراوية” تفقد أحد أهم أركانها وهو الارتباط العضوي بين الشعب والأرض.
سيادة بالوكالة
أما في ما يتعلق بمسألة السيادة، فهي جوهر الكيان الدولي. غير أن سيادة “الجمهورية الصحراوية” لا تتجلى إلا في الوثائق الرسمية والبيانات الإعلامية. فكل المؤشرات تشير إلى أن القرار الحقيقي بيد الجزائر، التي تتحكم في حدود الحركة والدعم والتمويل، بل وحتى في العلاقات الخارجية للكيان. هذه الوصاية، من منظور القانون الدولي، تضع “الدولة الصحراوية” في خانة الكيانات غير الذاتية، أي تلك التي لا تملك سلطة القرار المستقل.
الاعتراف لا يصنع الدولة
قد يذهب البعض إلى القول إن اعتراف بعض الدول بهذا الكيان يمنحه شرعية الوجود. إلا أن الاعتراف الدولي، وإن كان عنصراً مؤثراً سياسياً، لا يُنتج الدولة من العدم. فهناك عشرات الكيانات التي حظيت باعتراف محدود ثم اختفت من الخارطة السياسية، لأن عناصر الدولة الفعلية لم تكن متوفرة فيها. والاعتراف في هذه الحالة يبقى أداة ضغط دبلوماسي أكثر منه إقراراً قانونياً بوجود دولة مكتملة الأركان.
المغرب وموقف الثابت من الشرعية
بالنسبة للمغرب، فإن أي جلوس على طاولة مستديرة مع ممثلي البوليساريو لا يعني اعترافاً بهم ككيان سياسي مستقل، بل يدخل في إطار المساعي الأممية لإيجاد تسوية للنزاع الإقليمي. فالمغرب يعتبر أن من وُلدوا بعد عام 1975 في مخيمات تندوف هم ضحايا وضعية إنسانية فرضتها السياسة الجزائرية، ولا يمكن إدماجهم في مسار تفاوضي يهدف إلى إعادة رسم حدود وطنية. كما أن الدولة المغربية لن تتسامح مع أي شخص رفع السلاح ضدها أو ساهم في إراقة دماء جنودها، وهو موقف ينسجم مع مبادئ السيادة وحماية الأمن القومي.
أزمة الجزائر: بين الالتزام والعبء
المعضلة الحقيقية اليوم تقع في الجزائر، التي وجدت نفسها أمام كيان خلقته ورعته لعقود، حتى بات عبئاً يصعب التخلص منه. فوجود البوليساريو في تندوف لم يعد مجرد ورقة دبلوماسية، بل تحول إلى قضية داخلية ذات كلفة مالية وأمنية متزايدة. ومن الصعب أن تقدم الجزائر، بعد كل هذا الدعم، على زحزحة الجبهة من ترابها دون أن تواجه ارتدادات سياسية داخلية وخارجية.
من منظور القانون الدولي، الدولة ليست شعاراً ولا علماً يُرفع في المحافل، بل هي منظومة سيادة متكاملة ترتكز على أرض وشعب وسلطة فعلية. “الجمهورية الصحراوية” تفتقد هذه المقومات الثلاثة مجتمعة، وتبقى بذلك كياناً سياسياً اصطناعياً، يعيش فوق أرض ليست له، وتحت وصاية دولة تحتضنه أكثر مما تؤمن بوجوده. أما المغرب، فموقفه القانوني والسيادي يظل ثابتاً: الصحراء جزء لا يتجزأ من ترابه الوطني، وأي حل لا يقوم على هذا الأساس مصيره الفشل.