يبدو أن نزاع الصحراء المغربية، الذي امتد نصف قرن من الزمن، يسير نحو محطته الأخيرة. فمع نهاية هذا الأسبوع، يُرتقب أن يُصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا مفصليًا يضع النزاع في مسار الحل النهائي، الواقعي والسلمي والدائم، عبر تفعيل مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
لحظة تاريخية بكل المقاييس، تكرّس ما باتت تسميه الدبلوماسية العالمية بـ«الواقعية السياسية» في التعاطي مع هذا الملف، وتؤشر إلى نهاية وهم الانفصال في الإقليم.
القرار الأممي: تكريس للشرعية وتحصين للواقع
القرار المنتظر من مجلس الأمن لا يأتي في فراغ، بل في سياق تراكم دبلوماسي مغربي هادئ وطويل النفس، نجح في كسب ثقة القوى الدولية الكبرى. المؤشرات القادمة من نيويورك تفيد بأن النص النهائي، المزمع التصويت عليه يوم 30 أكتوبر الجاري، سيحظى بإجماع الدول الخمس الدائمة العضوية، بما في ذلك روسيا التي كانت في السابق تميل إلى الامتناع عن التصويت.
هذا التحول في الموقف الروسي يحمل دلالات عميقة، إذ يعكس تقدير موسكو للموقع الاستراتيجي للمغرب في شمال إفريقيا، واعترافها ببراغماتية مقاربته، إضافة إلى متانة العلاقات الثنائية التي جددتها اتفاقية الصيد البحري مؤخرًا.
الجزائر، التي أعلنت مسبقًا أنها لن تشارك في التصويت، تُسهم – بغير قصد – في جعل القرار أمميًا بالإجماع، مما يمنحه قوة قانونية وسياسية مضاعفة، ويجعل منه وثيقة ملزمة أشبه بـ«كناش تحملات» لمسار الحل النهائي.
الجزائر أمام مفترق الطرق
بالنسبة للجزائر، التي ظلت الراعي الأول والرسمي لجبهة البوليساريو، يبدو أن هامش المناورة بدأ يضيق إلى حدود غير مسبوقة.
لقد أدركت الإرادة الدولية أن النزاع لم يعد يحتمل مزيدًا من المراوحة، وأن استدامته صارت مصدر قلق حقيقي للأمن الإقليمي في شمال إفريقيا.
ومع تصاعد الضغوط الأممية والأميركية الداعية إلى مفاوضات مباشرة بين الرباط والجزائر، تجد هذه الأخيرة نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التجاوب مع نداءات الملك محمد السادس للحوار الأخوي والانخراط في مسار تعاون مغاربي جديد، أو العزلة السياسية والدبلوماسية في محيط متغير.
ما يميز الموقف المغربي هو أن الملك محمد السادس لم يجعل من انتصار بلاده في هذا الملف مناسبة لتسجيل «هزيمة جزائرية»، بل فرصة لإرساء منطق رابح–رابح، يعيد للمنطقة المغاربية روحها التنموية ووحدتها التاريخية.
إنها مقاربة الحكمة التي طبعت السياسة المغربية على مدى نصف قرن، برفضها الانجرار إلى أي سلوك عدائي رغم كل التصعيد الجزائري.
من الشرعية إلى البناء المغاربي
القرار المنتظر لا يُنظر إليه في الرباط كخاتمة نزاع فحسب، بل كبداية لمرحلة جديدة من البناء الإقليمي.
فالمغرب يسعى إلى تحويل الاعتراف الدولي بشرعية سيادته على أقاليمه الجنوبية إلى طاقة جذب للمستقبل المغاربي المشترك، عبر شراكات اقتصادية وتنموية تعود بالنفع على شعوب المنطقة كافة.
فما يربح المغرب من ترسيخ وحدته الترابية، يمكن أن يكون في الوقت نفسه رافعة لإنقاذ العلاقات المغربية–الجزائرية من الجمود والعداء، ولبناء مغرب عربي موحد ومستقر.
انهيار وهم الانفصال
أما جبهة البوليساريو، فليس أمامها اليوم سوى لحظات قصيرة من «الترنح السياسي».
فقد استنفدت كل أوراقها، وخسرت حتى تعاطف من كانوا يُقدّمون أنفسهم كوسطاء أو داعمين في المنتديات الدولية.
لقد انكشفت حقيقة المشروع الانفصالي باعتباره امتدادًا لسياسات جزائرية فقدت بوصلة الواقعية، وأصبح الحديث عن «الجمهورية الوهمية» نوعًا من الحنين الأيديولوجي الذي لا مكان له في معادلات القرن الحادي والعشرين.
ما بعد القرار
حين يعلن مجلس الأمن، هذا الأسبوع، قراره التاريخي المؤيد للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، لن يكون العالم بصدد طي صفحة نزاع إقليمي فحسب، بل بصدد إعادة رسم ملامح شمال إفريقيا.
فبانتصار مقاربة المغرب الواقعية، تنتصر فكرة الاستقرار على الفوضى، والبناء على الانقسام، والحكمة على العناد.
وإذا كانت ساعة الحقيقة قد دقت، فإن ما بين المغرب والجزائر لا يزال مفتوحًا على آفاق الأمل والتكامل، لا على ركام الخلافات القديمة.