تأشيرات العلماء المغاربة… حين تصطدم الدبلوماسية الدينية بحسابات السياسة

بوشعيب البازي

كشف أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، عن إشكالية جديدة تعيق الجهود المغربية في تأطير الجاليات الدينية بالخارج، تتمثل في تأخر بعض الدول الأجنبية في تسليم تأشيرات دخول العلماء والوعاظ المغاربة إلى أراضيها، “لأسباب سياسية”، على حد تعبيره، ما يربك عملية مواجهة التيارات المتطرفة التي تتربص بأبناء الجالية المغربية.

جاء ذلك خلال جلسة مساءلة الوزراء بمجلس المستشارين، مساء الثلاثاء، حين اشتكى الوزير من “مضايقات غير مفهومة” تواجه بعثات الوعاظ والمشفعين الذين يتم إرسالهم سنوياً لتأطير مغاربة العالم، خصوصاً خلال شهر رمضان، في إطار برنامج ديني رسمي تشرف عليه الوزارة والمجالس العلمية.

التأطير الديني… رهان روحي وهووي

أكد التوفيق أن الهدف من هذا التأطير ليس فقط ضمان أداء الشعائر الدينية وفق المذهب المالكي الوسطي، بل صون الهوية الدينية لمغاربة العالم في بيئات ثقافية ودينية مختلفة، وتحصينهم ضد التيارات الهدامة التي تحاول استغلال الهشاشة الروحية لبعض فئات الجالية.

وأوضح الوزير أن وزارته ستواصل إرسال البعثات الدينية رغم العراقيل، مع العمل على تجويد عملية اختيار الوعاظ والمشفعين، بالتنسيق مع المجلس العلمي الأعلى، لضمان نجاعة الرسالة الدينية المغربية القائمة على الاعتدال والوسطية.

التحول الرقمي… لغة جديدة للتأطير

وللتغلب على القيود الميدانية المفروضة على حركة العلماء، أعلن التوفيق عن إطلاق برنامج رقمي متعدد اللغات قبل نهاية العام الجاري، يهدف إلى تأطير الحقل الديني لمغاربة العالم عبر الإنترنت، بخمس لغات هي: الإسبانية، الإيطالية، الفرنسية، الإنجليزية، والألمانية.

هذا المشروع – بحسب الوزير – يسعى إلى سد الخصاص في التواصل الديني مع الجاليات المقيمة في بلدان أوروبية تزداد فيها الحاجة إلى حضور ديني مغربي معتدل، خاصة أمام تصاعد الخطابات المتشددة أو المتأثرة بثقافات دينية موازية.

تكوين العلماء… استثمار في الرأسمال المعرفي

وفي السياق ذاته، شدد وزير الأوقاف على أن تكوين القيمين الدينيين وتأهيل الأئمة يشكل “أولوية إستراتيجية”، باعتبارهم واجهة العمل الديني بالمغرب والخارج.

وأشار إلى أن وزارته ترصد سنوياً ميزانية تفوق 109 ملايين درهم مخصصة لبرامج التأهيل العلمي ضمن “ميثاق العلماء”، الذي يشرف عليه المجلس العلمي الأعلى منذ سنة 2008.

ويستفيد من هذا البرنامج حوالي 48 ألف إمام، يؤطرهم أكثر من 1400 عالم من مختلف جهات المملكة، من خلال لقاءات علمية تنعقد مرتين كل شهر طيلة عشرة أشهر، لرفع الكفاءة الفقهية واللغوية للأئمة، وتعزيز قدرتهم على مواجهة أسئلة العصر.

بين الدين والسياسة… إشكال متجدد

تسلط تصريحات التوفيق الضوء على تحدٍ متنامٍ أمام الدبلوماسية الدينية المغربية، التي حققت خلال السنوات الأخيرة إشعاعاً واسعاً في إفريقيا وأوروبا بفضل نموذجها القائم على الاعتدال.

غير أن تأخر بعض الدول في منح التأشيرات لأسباب “سياسية”، كما قال الوزير، يكشف عن تداخل الدين بالاعتبارات الجيوسياسية، خاصة في سياقات تتوتر فيها العلاقات بين المغرب وبعض العواصم الغربية.

ورغم هذه العقبات، يبدو أن المغرب ماضٍ في ترسيخ حضوره الروحي والرمزي خارج حدوده، مستنداً إلى إرث فقهي متوازن، ورؤية مؤسساتية تجعل من “تدبير الشأن الديني” أحد روافد قوته الناعمة في العالم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com