الصحراء المغربية أمام منعطف أممي حاسم: واقعية الرباط تفرض نفسها داخل مجلس الأمن
بوشعيب البازي
في لحظة سياسية توصف بأنها الأكثر حسماً منذ عقود، تتجه الأنظار نحو مجلس الأمن الدولي الذي يستعد للتصويت على قرار جديد بشأن قضية الصحراء المغربية. القرار المرتقب، الذي صاغته الولايات المتحدة، يحمل في طيّاته اعترافاً دولياً متزايداً بجدوى المقاربة المغربية القائمة على مبدأ الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، باعتبارها الحل الواقعي والنهائي للنزاع الإقليمي المفتعل.
تحوّل في موازين الخطاب الأممي
اللافت في مسودة القرار الجديدة ليس فقط تمديد مهمة بعثة المينورسو لعام إضافي، بل التحوّل في اللغة الأممية التي باتت تتحدث عن “حل واقعي ودائم”، وهي عبارة تحمل توقيع الدبلوماسية المغربية التي اشتغلت بصبر ودقّة لسنوات.
فقد نجح المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، في نقل النقاش الأممي من مربع الانفصال إلى منطق التوافق والسيادة، وهو ما انعكس في المواقف الأخيرة للدول الكبرى، بما فيها تلك التي كانت تُعرف بتحفّظها أو حيادها.
من واشنطن إلى بكين… الإجماع يكتمل
الولايات المتحدة، صاحبة المشروع، أكدت من جديد أن “الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الواقعي الوحيد”، فيما اعتبرت فرنسا المقترح المغربي “الأساس الأكثر جدية ومصداقية”.
أما المفاجأة، فجاءت من بكين وموسكو اللتين عبّرتا عن موقف متوازن يميل نحو دعم المقاربة المغربية، مؤكدتين أن الحل يجب أن يكون سياسياً وسلمياً في إطار احترام وحدة الدول. هذا الانفتاح الآسيوي الجديد يعيد رسم المشهد داخل مجلس الأمن، حيث تتقلص المساحات الرمادية لصالح رؤية المغرب الواقعية.
الجزائر… عالقة في خطاب الأمس
في المقابل، تواصل الآلة الإعلامية الجزائرية محاولاتها لتشويش الرأي العام عبر ترويج أخبار عن “تعديلات جوهرية” في مشروع القرار، دون أن تستند إلى معطيات موثوقة. ويرى مراقبون أن السلطة الجزائرية تلعب في الوقت الضائع، بعدما وجدت نفسها معزولة دبلوماسياً أمام التغير العميق في مواقف القوى الكبرى. فحتى الدول التي كانت تتبنى الحياد، كإسبانيا وألمانيا، انتقلت إلى موقع الداعمين للمقترح المغربي، ما يعكس تحولاً استراتيجياً في التعاطي الدولي مع الملف.
من الدبلوماسية الهادئة إلى الشرعية الميدانية
لم يقتصر نجاح المغرب على قاعات مجلس الأمن. ففي الميدان، أصبحت الأقاليم الجنوبية نموذجاً للتنمية والاستثمار. مدينتا العيون والداخلة تحولتا إلى منصتين اقتصاديتين في مجالات الطاقة والبحر والسياحة، بينما افتتحت أكثر من ثلاثين دولة قنصلياتها في الإقليم، في إقرار عملي بالسيادة المغربية.
هذه المعطيات الميدانية تعزز الموقف السياسي وتمنح المقاربة المغربية شرعية تنموية يصعب تجاوزها.
الواقعية كمنهج مغربي جديد
منذ توليه العرش، تبنى الملك محمد السادس دبلوماسية تقوم على الهدوء والفعالية والنتائج. لم يراهن المغرب على الشعارات، بل على التحالفات الذكية والمصالح المتبادلة، ما مكّنه من تحويل ملف الصحراء إلى قضية دولية محسومة في اتجاه واحد: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وقد أصبحت مغربية الصحراء معياراً للعلاقات الخارجية للمملكة، ورسالة واضحة إلى كل عاصمة ترغب في التعاون مع الرباط.
نحو لحظة الحسم
يؤكد دبلوماسيون في نيويورك أن التصويت المنتظر خلال الأيام المقبلة سيكون أكثر من مجرد إجراء أممي، بل إعلاناً سياسياً صريحاً بانتصار المقاربة المغربية. فالعواصم الكبرى باتت تتحدث بلغة الرباط، والأمم المتحدة نفسها تتبنى مفردات الخطاب المغربي.
ويقول أحد الدبلوماسيين الأوروبيين: “لقد تحوّل المغرب من بلد يدافع عن قضية إلى بلد يصوغ الحل. الواقعية التي اعتمدها الملك محمد السادس جعلت من مغربية الصحراء حقيقة دولية قبل أن تكون وطنية.”
تبدو اللحظة الأممية الراهنة تتويجاً لمسار طويل من الثبات والوضوح، إذ نجحت الدبلوماسية المغربية في إعادة تعريف قواعد اللعبة داخل مجلس الأمن. ومع اقتراب التصويت، تتأكد حقيقة واحدة، أن المغرب لم ينتصر فقط في معركة القرار، بل في معركة الرؤية.
فالحكم الذاتي لم يعد مجرد مقترح مغربي، بل مرجعية أممية تتجه نحو أن تكون القاعدة الجديدة لحل النزاع، وتأكيداً على أن واقعية الرباط أصبحت لغة العالم.