خطاب الحسم: محمد السادس يفتح صفحة جديدة في تاريخ الصحراء المغربية

قرار أممي يؤكد مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل واقعي ودائم للنزاع

في لحظة وُصفت بالتاريخية، وجّه العاهل المغربي الملك محمد السادس خطابًا استثنائيًا إلى الشعب المغربي، مرحّبًا بتصويت مجلس الأمن الدولي الذي اعتمد رسميًا مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية كأساس وحيد للتفاوض.

وقال الملك في كلمته التي بثّها التلفزيون الرسمي مساء السبت:

“إننا نبدأ فتحًا جديدًا في الطيّ النهائي للنزاع المفتعل على أساس الحكم الذاتي، وإننا نعيش مرحلة فاصلة ومنعطفًا حاسمًا في تاريخ المغرب الحديث، فهناك ما قبل 30 أكتوبر وما بعد 30 أكتوبر.”

وأكد جلالته أن المغرب سيعمل خلال الأسابيع المقبلة على تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي وتقديمها إلى الأمم المتحدة لتكون الإطار العملي والوحيد للتفاوض، معتبرًا أن القرار الأممي الأخير يؤكد من جديد مصداقية المقترح المغربي وواقعيته السياسية.

نداء إنساني إلى الصحراويين ودعوة صريحة للجزائر

في رسالة إنسانية ذات رمزية قوية، دعا الملك محمد السادس صحراويي تندوف إلى العودة إلى وطنهم الأم والاستفادة من الفرص التي يتيحها الحكم الذاتي في تدبير شؤونهم المحلية والمشاركة في تنمية مناطقهم، مؤكدًا أن “الكرامة الحقيقية لا تتحقق إلا في ظل الوطن الأم”.

كما وجّه العاهل المغربي نداءً مباشرًا إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، داعيًا إلى “حوار أخوي صادق” بين البلدين، قائلاً:

“رغم التطورات الإيجابية التي تعرفها قضية الوحدة الترابية، يبقى المغرب حريصًا على إيجاد حل لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف… فالمغرب لا يعتبر هذه التحولات انتصارًا، ولا يستغلها لتأجيج الصراع.”

وأضاف الملك:

“أدعو أخي فخامة الرئيس عبد المجيد تبون إلى حوار صادق من أجل تجاوز الخلافات وبناء علاقات جديدة تقوم على الثقة وروابط الأخوة وحسن الجوار.”

كما جدّد جلالته الالتزام بمواصلة العمل من أجل إحياء الاتحاد المغاربي على أساس التعاون والاحترام المتبادل بين دوله الخمس.

قرار أممي تاريخي وتحول في مسار النزاع

اعتمد مجلس الأمن الدولي مساء الجمعة قرارًا جديدًا في مسار تسوية قضية الصحراء المغربية، يؤكد فيه دعمه الكامل للأمين العام للأمم المتحدة ولمبعوثه الشخصي ستافان دي ميستورا في تيسير المفاوضات، على أساس مبادرة الحكم الذاتي المغربية.

وقد صوّت لصالح القرار 11 عضوًا من أصل 15، من بينهم الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، اليونان، وبنما، بينما امتنعت كل من الصين وروسيا وباكستان عن التصويت.

وأكد القرار أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يمثل الحل الأكثر واقعية وقابلية للتطبيق، داعيًا جميع الأطراف إلى الانخراط في العملية السياسية دون شروط مسبقة، واحترام وقف إطلاق النار وتجنّب أي أعمال استفزازية تهدد الاستقرار في المنطقة.

واشنطن: “تصويت تاريخي يغتنم فرصة فريدة للسلام”

رحّبت الولايات المتحدة الأمريكية، صاحبة مشروع القرار، بتبنّيه من قبل مجلس الأمن، ووصفت مندوبتها الدائمة التصويت بأنه “فرصة تاريخية لتحقيق سلام طال انتظاره في الصحراء”، مؤكدة استعداد واشنطن لاستضافة مفاوضات مباشرة بين الأطراف المعنية لدعم جهود المبعوث الأممي.

وأشاد المندوب الأمريكي بجهود المغرب “كدولة فاعلة ومسؤولة تسعى إلى حل سلمي ومستدام”، معتبرًا أن مقترح الحكم الذاتي هو الإطار الوحيد القادر على تحقيق الأمن والازدهار في شمال إفريقيا بعد عقود من الجمود.

خبراء: المغرب يكرّس نضجًا استراتيجيًا وقدرة على الجمع بين الحزم والانفتاح

يرى محمد الطيار، الباحث في الدراسات الأمنية والاستراتيجية، أن الخطاب الملكي “يحمل رسائل توازن دقيقة”، موضحًا أنه من جهة يعكس امتنان المغرب للدول الداعمة لمقترحه، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، ومن جهة أخرى يؤكد البعد الإنساني والدعوة إلى مصالحة وطنية شاملة.

“الملك وجّه رسالة واضحة لقيادة الجزائر، فالتجاوب مع الدعوة المغربية سيُحسب لتبون كتحول إيجابي نحو الواقعية السياسية، وقد يفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية ويعيد الدفء للشعبين.”

أما الخبير الاستراتيجي هشام معتضد، فاعتبر أن خطاب الملك “يُبرز هندسة سياسية متقنة تهدف إلى إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة”، مضيفًا أن دعوة الملك لتبون تعبّر عن قوة المغرب في الاعتدال وقدرته على التوفيق بين التمسك بالثوابت الوطنية والانفتاح على الحوار.

وأوضح معتضد أن دعم مجلس الأمن لمبادرة الحكم الذاتي “لم يأتِ صدفة”، بل هو ثمرة خمسين عامًا من العمل الدبلوماسي المتواصل والرؤية الاستراتيجية للمملكة، معتبرًا أن هذا القرار الأممي “ينقل الملف نهائيًا من مرحلة تصفية الاستعمار إلى مرحلة تثبيت السيادة الوطنية”.

نحو سلام مغاربي جديد؟

يرى مراقبون أن خطاب الملك محمد السادس، في لحظة الإجماع الأممي على المقترح المغربي، يؤسس لمرحلة جديدة من الواقعية السياسية في المنطقة، تقوم على تجاوز خطاب العداء والمواجهة، نحو التعاون والتكامل الإقليمي.

فبعد عقود من النزاع، يبدو أن الصحراء المغربية تقترب من نهاية نزاعها المفتعل، بينما يفتح المغرب ذراعيه لحوار مغاربي جديد، عنوانه الواقعية، والتاريخ، والمستقبل المشترك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com