في عالم التحليل السياسي، هناك من يحلل الواقع، وهناك من يحلل حساباته البنكية. بن سديرة، المعروف بين أصدقائه في المخابرات الجزائرية بـ”بوق الكابرانات”، يبدو أنه اختار المسار الثاني، مع احترافية تكاد تنافس مسرحيات الكوميديا السوداء.
كلما أرسل له النظام الجزائري الأموال، يرفع القبعة ويطبل للنظام، كأنها جائزة أوسكار عن “أفضل أداء في الدور الطاغية”. لكن سرعان ما تتحول تصرفاته إلى مهرجان سخرية، عندما يكتشف أن حسابه البنكي فارغ بعد صدمة أسعار الغاز: فجأة، التبون ومن معه يتحولون في عين بن سديرة إلى موضوع نكات لاذعة ورسائل استهزاء على مواقع التواصل، وكأنه لم يطبل لهم قبل أيام قليلة.
هذا البهلواني، الذي يعتبر نفسه محللًا سياسيًا وقانونيًا دوليًا، يبدو أمام الجميع مجرد أداة في يد المخابرات الجزائرية، يجمع بين الحماسة المسرحية والضحك المبطن، محاولًا تحويل كل أزمة مالية في النظام إلى فرصة لتعظيم شعبيته الوهمية.
بن سديرة يصدق أنه يفهم القانون الدولي، لكنه لا يفهم سوى لغة المال، أو بالأحرى لغة الغاز الجزائري الذي يغادر حسابه البنكي بسرعة أكبر من تصريحاته المثيرة للجدل. تحليلاته السياسية ليست سوى صدى لمصلحة خفية، وخطابه القانوني ليس إلا ستارًا يخبئ وراءه الحقيقة الوحيدة: أنه لاعب رئيسي في مسرحية الجزائر المأساوية-الكوميدية، حيث النقد يصبح ممنوعًا إلا إذا كان يأتي من فم هذا البهلوان.
في نهاية المطاف، بن سديرة يذكرنا بأن السياسة أحيانًا ليست أكثر من رقصة بهلوانية، وأن هناك من يحترف إقناع الناس بأنه محلل كبير، بينما كل ما يفعله هو القفز على أموال الآخرين… والتظاهر بأنه يفهم العالم.