الجزائر بعد القرار 2797… حين يسقط الوهم وتبقى الحقيقة المغربية

بقلم: بوشعيب البازي

لم يكن قرار مجلس الأمن رقم 2797 مجرّد وثيقة دبلوماسية جديدة تُضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة، بل كان بمثابة لحظة قطيعة تاريخية بين عالمين: عالم الأوهام الذي لا يزال النظام الجزائري أسيراً له، وعالم الواقعية السياسية الذي يمضي فيه المغرب بثبات وثقة. في لحظة نادرة من الوضوح الدولي، أعلن القرار بصياغة أميركية صريحة أن مقترح الحكم الذاتي المغربي لعام 2007 هو الأساس الوحيد لأي تسوية واقعية ومقبول.

ذلك المشروع، الذي استند منذ بدايته إلى وهم إقامة كيان سياسي في الصحراء المغربية التي استعادها المغرب من الاستعمار الإسباني سنة 1975، يعيش اليوم لحظة انهيار تام، بعدما أكّد القرار الأممي الجديد بشكل لا لبس فيه أن الحكم الذاتي المقترح من المغرب عام 2007 يشكّل الأساس الوحيد لأي حلّ واقعي ومستدام.

سقوط مشروع بُني على العداء لا على الواقعية

منذ نصف قرن، تخوض الجزائر حرب استنزاف بالوكالة ضد المغرب. لم يكن الهدف أبداً “الدفاع عن تقرير المصير” كما يروّج الإعلام الرسمي الجزائري، بل رغبة دفينة في فرض هيمنة إقليمية وإعادة رسم خريطة شمال إفريقيا على مقاس طموحات المؤسسة العسكرية التي تتحكم في القرار منذ استقلال الجزائر عام 1962.

في المخيال السياسي للسلطة الجزائرية، يبدو أن للموقع الجغرافي منطقاً إمبراطورياً، لا يكفي أن تطلّ على المتوسط، بل يجب أن تمتدّ إلى الأطلسي أيضاً. ومن هنا، ولدت فكرة خلق “جمهورية صحراوية” تخضع للنفوذ الجزائري وتمنح النظام منفذاً وهمياً نحو المحيط. لكنّ التاريخ، كما نعلم، لا يرحم من يراهن على الأوهام.

المغرب بين الشرعية التاريخية والوحدة الوطنية

لقد كان سرّ صمود المغرب بسيطاً وعميقاً في آن، الصحراء لم تكن يوماً قضية جغرافية فحسب، بل قضية شرعية ووحدة وطنية. فالبيعة التي قدّمتها القبائل الصحراوية للملوك المغاربة على مرّ القرون ليست وثيقة رمزية، بل رابطة سيادية متجذرة في التاريخ.

ولولا هذه العلاقة العضوية بين العرش والشعب، لما نجحت المسيرة الخضراء سنة 1975، التي سار فيها 350 ألف مغربي بسلام نحو الصحراء لاستعادتها من الاستعمار الإسباني. يومها، رفع المغاربة العلم الوطني في العيون بمجرد إنزال العلم الإسباني، في مشهد لا يمكن لأي مشروع انفصالي أن يمحوه من الذاكرة الجماعية.

المفارقة أن الجزائر، التي نالت استقلالها بفضل دعم المغرب ملكاً وشعباً، قابلت هذا العرفان بالجحود. تجاهل هواري بومدين، آنذاك، الدور المغربي الحاسم في الثورة الجزائرية، واختار معاداة الجار الذي ساعده، فقط لأنه استعاد أرضه.

من الجدران الدفاعية إلى الجدران الدبلوماسية

منذ الثمانينات، حوّل المغرب الصحراء إلى قلعة منيعة، ليس فقط بالجدران الرملية التي شيّدها لحماية أراضيه من الهجمات، بل أيضاً بجدار دبلوماسي متين قائم على التنمية، والاستقرار، والتحالفات الاستراتيجية.

لقد فشل النظام الجزائري في إدراك أن العالم تغيّر. فلم يعد مقبولاً أن تظلّ دولة تسجن نفسها في منطق الحرب الباردة، بينما يتحرك جيرانها نحو التكامل الاقتصادي والانفتاح الإقليمي.

القرار 2797 ليس نصاً بيروقراطياً آخر، بل إعلان نهاية مرحلة. فحين يتبنى مجلس الأمن، بصياغة أميركية واضحة، موقفاً يعتبر الحكم الذاتي المغربي “في أساس” أي حل، فذلك يعني أن الجزائر خسرت آخر أوراقها الدبلوماسية. محاولاتها تعديل النصّ عبر روسيا أو بعض حلفائها في الاتحاد الإفريقي انتهت بالفشل، لأن ميزان الواقعية الدولية بات يميل نحو المغرب.

الجزائر أمام اختبار الحقيقة

الآن، السؤال الذي يجب أن يُطرح بوضوح هو: ماذا بعد؟

هل ستستمر الجزائر في التصلّب ورفض الواقع، أم ستغتنم الفرصة لتعيد تموضعها وتبني علاقات طبيعية مع المغرب والعالم؟

القرار الأممي يمكن أن يكون فرصة تاريخية للنظام الجزائري ليتصالح مع نفسه ومع جيرانه، وأن يتجاوز عقدة “الدولة القائدة” في المنطقة. يمكن للجزائر، إن أرادت فعلاً التنمية والاستقرار، أن تدخل في مفاوضات مباشرة مع المغرب حول تعاون واقعي يشمل حتى إمكانية ممرّ اقتصادي نحو الأطلسي عبر الصحراء المغربية. فالمغرب لم يغلق يوماً الباب في وجه الحوار، بل أغلق فقط باب الوهم.

من وجهة نظري كصحفي متابع للقضية الوطنية، يمثل قرار مجلس الأمن 2797 لحظة صدقٍ كبرى في تاريخ المنطقة المغاربية. إنه مرآة تكشف الفرق بين من يعيش داخل التاريخ ومن يعيش على هامشه. المغرب دخل القرن الحادي والعشرين وهو يبني، يطور، ويستثمر في أقاليمه الجنوبية، فيما بقيت الجزائر أسيرة خطاب السبعينات وشعارات الثورة التي فقدت معناها.

لقد أثبت المغرب أن السيادة لا تُنتزع بالشعارات، بل تُبنى بالشرعية والتنمية. بينما أظهر النظام الجزائري أنه عاجز عن الانتقال من منطق الثورة إلى منطق الدولة.

اليوم، أمام الجزائر خياران لا ثالث لهما: إما أن تتصالح مع الواقع الجديد وتقبل بصفحة جديدة قائمة على التعاون الإقليمي، أو أن تواصل السباحة ضد تيار التاريخ. غير أن هذا التاريخ، كما علمتنا التجارب، لا ينتظر أحداً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com