من المسيرة الخضراء إلى عيد الوحدة… خمسون عامًا من بناء الوطن وترسيخ السيادة

بوشعيب البازي

ما أشبه اليوم بالأمس، حين خرج المغاربة قبل خمسين عامًا في السادس من نوفمبر 1975، رجالًا ونساءً، في مسيرة خضراء كتبها التاريخ بمداد العزيمة والوطنية، استجابة لنداء الملك الراحل الحسن الثاني لاسترجاع الصحراء من الاستعمار الإسباني. واليوم، وبعد نصف قرن من ذلك الحدث المجيد، يخرج المغاربة من جديد، في السادس من نوفمبر 2025، إلى الشوارع والساحات، احتفالًا بعيد الوحدة الذي أقرّه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، تتويجًا لمسار استكمال السيادة الوطنية على الصحراء المغربية وترسيخ الوحدة الترابية للمملكة.

إن التحول من الاحتفال بالمسيرة الخضراء إلى عيد الوحدة ليس مجرد تعديل في التقويم الوطني، بل هو تحول رمزي واستراتيجي يعكس انتقال المغرب من مرحلة استرجاع الأرض إلى مرحلة ترسيخ المكتسبات وصيانة السيادة، في سياق دولي يشهد اعترافًا متناميًا بمغربية الصحراء، ودعمًا واضحًا لمبادرة الحكم الذاتي التي أقرّها مجلس الأمن الدولي كحل سياسي وحيد للنزاع المفتعل.

من نداء الحسن الثاني إلى حكمة محمد السادس: استمرارية في الرؤية والإنجاز

المسيرة الخضراء كانت عنوانًا للمبادرة الشعبية والملكية لاسترجاع الأرض، فيما يأتي عيد الوحدة تتويجًا لمرحلة من البناء والتشييد وتثبيت السيادة. فالمغرب لم يعد يعيش مرحلة المقاومة ولا زمن التفاوض، بل زمن الإنجاز الوطني الذي تحقق بالصبر الاستراتيجي للدولة، وبفضل رؤية ملك يقود البلاد بثبات منذ ربع قرن نحو آفاق التنمية والوحدة والاستقرار.

لقد حمل الملك محمد السادس رسالة سلفه على أكمل وجه، فاستكمل البناء، وأبدع عيدًا جديدًا يحمل روح المسيرة، لكنه يتجاوزها نحو المستقبل. فبين الأمس واليوم، تحوّل الحلم إلى واقع، والمطلب إلى مكتسب، والرمز إلى عيد للوحدة الوطنية.

القرار الأممي 2797… دعم دولي للوحدة الترابية

بعد القرار التاريخي لمجلس الأمن في 31 أكتوبر 2025، الذي ثبّت مبادرة الحكم الذاتي المغربية كإطار وحيد للحل، لم يعد العالم يناقش شرعية السيادة المغربية، بل أصبح يواكب تجذرها الميداني والدبلوماسي.

بهذا المعنى، يأتي إعلان “عيد الوحدة” في لحظة سياسية دقيقة، تُبرز نجاح الدبلوماسية المغربية بقيادة جلالة الملك، وتحول القضية الوطنية من ملف نزاع إلى نموذج استقرار وتنمية إقليمية.

هذا القرار الأممي — كما يؤكد المحللون — يُعدّ تتويجًا لمسار طويل من النضال الملكي والدبلوماسي، بدأ منذ المسيرة الخضراء، وبلغ ذروته اليوم باعتراف المجتمع الدولي بمغربية الصحراء وبدعم الدول الكبرى لخطة الحكم الذاتي كخيار وحيد واقعي ودائم.

من مقاومة الاسترجاع إلى ترسيخ الإنجاز

لقد انتقل المغرب، كما تقول الأحداث، من الاحتفال بالتعبئة الشعبية إلى الاحتفال بالنجاح السياسي والدبلوماسي. فالمرحلة المقبلة ليست معركة استرجاع، بل مسار تثبيت وتحصين للمكتسب الوطني.

وفي كل ربوع المملكة، من طنجة إلى الكويرة، علت الأعلام، وازدانت الشوارع بمظاهر الفخر والاعتزاز، تعبيرًا عن شعور جماعي بوحدة المصير والهوية تحت راية العاهل المغربي.

المرور من تاريخ 1975 إلى حاضر 2025 يكشف عن ديناميكية ملكية متواصلة، بدأت منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، حيث حمل على عاتقه مشروع توحيد الأمة وتثبيت سيادتها، من خلال زياراته الميدانية للأقاليم الجنوبية، واستراتيجيته المتوازنة في الانفتاح الدولي، وتطوير البنية التحتية، وتثبيت الاستثمارات الوطنية والدولية في العيون والداخلة، بوصفها مدن المستقبل المغربي الإفريقي.

بهذه المناسبة المجيدة، عبّر المحامي مولاي عبد الجليل الصقلي عن أحرّ تهانيه وتبريكاته إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بمناسبة إعلان عيد الوحدة الوطنية، معتبرًا أن هذا القرار الملكي يجسّد الرؤية الحكيمة لجلالته في تثبيت الوحدة الترابية وتعزيز روح المواطنة والاعتزاز بالانتماء.

Screenshot

وقال الصقلي: “إن جلالة الملك، بسداد نظره وعمق إيمانه بالوطن، أهدى للشعب المغربي عيدًا يؤرخ لانتصار الحق على الباطل، والسيادة على الانفصال. فبعد أن حقق المغرب النصر السياسي والدبلوماسي، ها هو اليوم يترجمه في عيد يخلّد الوحدة ويعزز روح الانتماء في نفوس الأجيال الصاعدة.”

وأضاف أن هذا العيد “يكرّس مرحلة جديدة من التاريخ المغربي المعاصر، قائمة على التنمية والتلاحم الوطني، ويعبّر عن انتصار دولة القانون والمؤسسات، التي استطاعت بحكمة قائدها أن تجمع بين الشرعية التاريخية والمشروعية الدولية”.

وفي قراءته لهذا التحول الرمزي، يرى الكاتب الصحفي بوشعيب البازي أن المغرب، من خلال تحويل المسيرة الخضراء إلى عيد للوحدة، ينتقل من مرحلة الذاكرة إلى مرحلة الفعل السياسي الناضج.

ويقول البازي: “عيد الوحدة ليس مجرد احتفال رمزي، بل هو إعلان رسمي بأن المغرب دخل عهد الدولة المستقرة ذات السيادة الكاملة على ترابها. هو تجسيد لفلسفة الدولة المغربية الحديثة، التي لم تعد تُعرّف نفسها فقط بتاريخها، بل بقدرتها على تحويل التاريخ إلى مشروع مستقبلي.”

ويضيف: “لقد أبدع الحسن الثاني المسيرة الخضراء كملحمة التحرير، وأبدع محمد السادس عيد الوحدة كملحمة البناء. بين المسيرتين، تتجلى عبقرية الملوك الذين جعلوا من الوطنية عقيدة عمل لا شعارًا، ومن الوحدة الترابية واقعًا لا مطلبًا.”

عيد للوحدة… عيد للكرامة المغربية

هكذا، بعد خمسين عامًا من ملحمة المسيرة الخضراء، يكتب المغرب صفحة جديدة من تاريخه، عنوانها الوحدة والسيادة والكرامة.

إنه عيد وطني جديد، لكنه في جوهره تتويج لخمسين عامًا من العمل الميداني والسياسي والدبلوماسي، ووفاء لذكرى أمة آمنت بأن قوتها في تلاحم عرشها وشعبها.

وفي السادس من نوفمبر 2025، سيحتفل المغاربة بعيد الوحدة، لا كذكرى للماضي، بل كبداية لمستقبل عنوانه الوفاء للمسيرة، والإخلاص للوطن، والولاء للملك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com