القرار 2797… حينما تُصر الأمم المتحدة على الجدية وتُصر الجزائر على اللعب بالدمى
بوشعيب البازي
منذ أن تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2797 بتاريخ 31 أكتوبر 2025، والعالم يترقب ما إذا كانت الجزائر ستنطق أخيرًا بكلمة واضحة. لكنّ الوضوح، كما يبدو، ليس من تقاليد دبلوماسية قصر المرادية، التي باتت تتقن فنّ الالتباس كما يتقن المهرّج فنّ التهريج.
فبين “نعم ولكن”، و”لا وربما”، و”نمتنع لأننا غير معنيين ولكننا معنيون أكثر من المعنيين”، ضاعت البوصلة الجزائرية في دهاليز الأمم المتحدة.
لقد صوّت العالم، وتحدث القانون، وبقي النظام الجزائري في وضعية التلميذ الذي يُسأل في القسم عن الدرس، فيردّ بسؤال آخر ليكسب بضع ثوانٍ قبل انكشاف أمره.
قرار واضح… وغموض جزائري مقصود
القرار الأممي رقم 2797 لم يترك أي مساحة للتأويل ، الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الأساس الوحيد للمفاوضات، والجزائر طرف ملزم بالمشاركة فيها.
العبارات كانت دقيقة كالمشرط، لا غموض، لا مرونة، لا أعذار. لكن في الجزائر، يبدو أن قراءة النصوص الأممية تمرّ أولًا عبر لجنة مختصة في إعادة تفسير الواضح وتحريف المؤكد، قبل أن يُقدَّم للشعب في نشرة الثامنة تحت عنوان، «نجاح دبلوماسي باهر».
الجزائر امتنعت عن التصويت، ثم باركت القرار بشكل غير مباشر، ثم نددت به، ثم ادعت أنها ساهمت في “تعديله”… قبل أن تنكر كل شيء لاحقًا. إنها النسخة الدبلوماسية من رقصة “الكرسي الموسيقي”، حيث تتبدل المواقف كلما تغيّر اللحن في واشنطن أو باريس.
دي ميستورا يصحح الدرس… في الصف الأممي
خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب اعتماد القرار، حاول أحد الصحفيين المقرّبين من الدبلوماسية الجزائرية أن يختصر النزاع في “طرفين”: المغرب و”البوليساريو”.
لكن المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا لم يحتج أكثر من ثانية ليرد عليه:
“الأطراف محددة بوضوح: المغرب، الجزائر، موريتانيا و«البوليساريو».”
بهذا الجواب القصير، اختصر الرجل كل الدبلوماسية الجزائرية في عبارة واحدة: “أنتم طرف يا سادة، شئتم أم أبيتم.”
ردّ أنيق، لكنّه كان بمثابة صفعة دبلوماسية مجانية على الهواء مباشرة.
أحمد عطّاف… حين يصبح النفي مهنة رسمية
في مقابلة تلفزيونية باهتة على قناة «AL24 News» (النسخة المحلية من وزارة الحقيقة كما في رواية جورج أورويل)، ظهر وزير الخارجية الجزائري أحمد عطّاف متلعثمًا كمن يحاول تذكّر كذبة قديمة.
قال الرجل: «طلبنا حذف البند الذي يشير إلى السيادة المغربية، ولما لم يُحذف، امتنعنا عن التصويت».
بعبارة أخرى، الجزائر كانت مستعدة للموافقة على القرار… لو لم يتضمن الحقيقة.
منطق جميل فعلاً. يشبه إلى حدّ بعيد قول طفل غاضب: “كنت سأنهي واجبي، لولا أن الأستاذ طلب مني أن أكتبه فعلاً!”
سجلّ طويل من الإنكار الرسمي
الجزائر لم تُفاجأ بهذا القرار. فمنذ خمس سنوات وهي ترفض قرارات مجلس الأمن بنفس الإصرار الذي يرفض به مدمن القهوة نصائح الطبيب.
في 2020، انتقدت القرار 2548 لأنه “غير متوازن”.
في 2021، رفضت القرار 2602 لأنه “منحاز”.
في 2022، نددت بالقرار 2654 لأنه “نتاج عملية صياغة مضنية”.
وفي 2024، صمتت قليلاً، ثم عادت لتقول كعادتها: “نحن غير معنيين.”
لكن في 2025، لم يعد ممكناً الهروب. فالقرار هذه المرة ذكر الجزائر بالاسم، وجرّها جرًّا إلى الطاولة، كما يُجرّ تلميذ مشاغب إلى السبورة.
الفصل السابع يلوّح بالعصا
التحول الأبرز في القرار 2797 ليس فقط في لغته الواضحة، بل في نبرته القانونية.
فبعد عقود من المجاملة تحت مظلة الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة (الذي يدعو الأطراف إلى الحوار “بحسن نية”)، يبدو أن المجلس بدأ يقترب من الفصل السابع، حيث تُصبح النوايا غير كافية، ويبدأ زمن الإلزام والعقوبات.
ويُحذر الخبير في العلاقات الدولية عبد الفتاح نعوم من أن استمرار الجزائر في اللعب بورقة “البوليساريو” قد يقودها إلى مأزق حقيقي:
“مع تهديد هذه الميليشيا بالعمل المسلح، تصبح الجزائر معرضة لمساءلة دولية، خصوصاً بعد طرح مشروع قانون أمريكي لتصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية. حينها قد تجد الجزائر نفسها مصنفة ضمن خانة الداعمين للإرهاب، وهو سيناريو تخشاه بشدة.”
العدّ التنازلي بدأ… والساعة لا تنتظر المترددين
ينتهي مقعد الجزائر غير الدائم في مجلس الأمن في 31 دجنبر المقبل. وخلال الأشهر المتبقية، ستُراقب الأمم المتحدة عن كثب مدى امتثالها لقرار ملزم لا يحتمل التأجيل.
في أبريل 2026، سيعرض المبعوث الأممي تقريره عن تقدم المفاوضات. وستكون الجزائر مطالبة بتفسير موقفها… إن وجدت موقفًا أصلًا.
وفي انتظار ذلك، تواصل الدبلوماسية الجزائرية هوايتها المفضلة: الصمت المصحوب بالتذمّر.
بينما يمضي المغرب قُدمًا في طريق الحسم السياسي والاقتصادي، تواصل الجزائر الدوران حول نفسها، متقمصة دور البطولة في مسرحية لا يصفق فيها أحد.
من يتهرّب من المائدة… سيجد نفسه على القائمة
القرار 2797 لا يترك للجزائر سوى خيارين: إما الجلوس إلى طاولة المفاوضات، أو البقاء على قائمة الدول التي ترفض تطبيق قرارات مجلس الأمن.
وفي كلتا الحالتين، لن تعود الأمور كما كانت. فالعالم تغيّر، والجزائر ما تزال تراجع دروسها القديمة في كتاب دبلوماسية لم يعد يُدرّس في أي جامعة.
الوقت يمضي، والساعة الأممية لا تنتظر المترددين. أما الجزائر، فهي ما تزال منشغلة بالبحث عن زاوية مريحة تختبئ فيها من الحقيقة.