قرار مجلس الأمن يربك حسابات الجزائر: الدبلوماسية في مأزق بعد دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية
يوسف الفرج
بقلم: هيئة التحرير – مع تصريح خاص للصحفي بوشعيب البازي
تجد الجزائر نفسها اليوم أمام اختبار دبلوماسي عسير بعد تبنّي مجلس الأمن الدولي قرارًا يعتبر مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية “الحلّ الواقعي والجاد” لقضية الصحراء. القرار الذي جاء بدفع من الولايات المتحدة، يُعدّ انتصارًا دبلوماسيًا واضحًا للرباط، وانتكاسة حقيقية للنهج الجزائري الذي ظلّ لعقود يراهن على دعم أطروحة “تقرير المصير”.
ورغم اعتراض الجزائر ومحاولاتها الحثيثة لثني أعضاء المجلس عن دعم المقترح المغربي، فقد تمّ اعتماد القرار بأغلبية 11 صوتًا، مع امتناع الصين وروسيا وباكستان عن التصويت. هذا الموقف يُترجم – بحسب المراقبين – تحوّلًا عميقًا في المواقف الدولية من النزاع الذي امتدّ لنحو نصف قرن.
انتكاسة دبلوماسية وملفات مفتوحة
تقول سابينا هينبيرغ، الباحثة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: “قرار الجمعة الماضي يشكّل انتكاسة حقيقية للدبلوماسية الجزائرية التي تواجه أصلاً تحديات متراكمة في محيطها الجغرافي”. وتضيف: “المغرب بدأ يجني ثمار عمله الهادئ والمكثف في الساحة الدولية، في وقت تراجعت فيه فعالية السياسة الخارجية الجزائرية، سواء في الساحل أو داخل المنظمات القارية”.
وتشير هينبيرغ إلى أن “التقارب الروسي-الجزائري لم يعد بالوزن نفسه بعد دخول موسكو على خط النزاع في الساحل عبر مجموعة فاغنر، وهو ما أضرّ بصورة الجزائر كوسيط في المنطقة”.
إرث العزلة بعد بوتفليقة
منذ إصابة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة بجلطة دماغية عام 2013، دخلت الدبلوماسية الجزائرية في حالة ركود طويلة. اختفت البلاد من الساحة العربية والأفريقية والدولية، قبل أن تحاول استعادة المبادرة في عهد الرئيس عبد المجيد تبون. غير أن تحركاتها ظلت محكومة بتناقضات داخلية وصراعات نفوذ بين الجيش وأجهزة الاستخبارات ووزارة الخارجية.
ويقول حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسطي في جنيف، إن “السياسة الخارجية الجزائرية تواجه اليوم أزمة هوية حقيقية”، مضيفًا: “لا يمكن للجزائر أن تستمر في خلاف دائم مع فرنسا، ولا أن تراهن على روسيا التي لم تتردد في تجاهل طلبها الانضمام إلى مجموعة بريكس”.
ضغط المحيط وتصدّع التحالفات
الأزمة الجزائرية لا تتوقف عند حدود باريس. فالعلاقات مع مالي والنيجر وبوركينا فاسو تشهد توترًا متصاعدًا بعد حادثة إسقاط طائرة مسيّرة ماليّة داخل المجال الجوي الجزائري. وردًا على ذلك، استدعت الدول الثلاث سفراءها واتهمت الجزائر بـ“العدوان”. في المقابل، سارعت هذه العواصم إلى إعلان دعمها للمبادرة المغربية الرامية إلى ربطها بالمحيط الأطلسي، ما يعكس فقدان الجزائر لورقتها الجيوسياسية في الساحل.
الرباط تتقدّم بثقة
في الجهة المقابلة، يواصل المغرب تكريس موقعه كقوة إقليمية صاعدة، بفضل سياسة خارجية براغماتية تستند إلى الدبلوماسية الاقتصادية والانفتاح الاستراتيجي. عاد المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، ووطّد علاقاته مع شركاء جدد في أوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. ويبدو أن نتائج هذا التوجّه بدأت تظهر بوضوح في مواقف مجلس الأمن الأخير.
في تصريح خاص لـالصحيفة، يرى الصحفي بوشعيب البازي أن “الجزائر تجد نفسها اليوم أسيرة خطابها الأيديولوجي أكثر من أي وقت مضى”. ويضيف:
“بينما اختار المغرب الاستثمار في الدبلوماسية الاقتصادية والتنوع في الشراكات، لا تزال الجزائر حبيسة لغة الحرب الباردة، تتحدث عن المبادئ بينما يتحدث العالم عن المصالح”.
ويتابع البازي: “القرار الأممي الأخير لا يكرّس فقط مشروعية المقاربة المغربية، بل يكشف أيضًا عجز الجزائر عن مجاراة الدينامية الجديدة في العلاقات الدولية. لقد انتهى زمن الشعارات، وبدأ زمن البراغماتية الواقعية التي يتقنها المغرب أكثر من أي بلد في المنطقة.”
إعادة ضبط ضرورية
في المحصلة، تجد الجزائر نفسها أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما الاستمرار في سياسة الممانعة التي أرهقتها داخليًا وخارجيا، أو الانخراط في رؤية جديدة تعترف بتغيّر موازين القوى في المنطقة. وكما يؤكد عبيدي، “ثمة حاجة ملحّة إلى إعادة صياغة الأهداف الدبلوماسية للبلاد بعيدًا عن الخطاب العاطفي والتاريخي الذي لم يعد يقنع أحدًا”.
قرار مجلس الأمن الأخير لا يغيّر فقط مسار نزاع إقليمي قديم، بل يرسم أيضًا ملامح مرحلة جديدة في المغرب العربي، يكون فيها المغرب فاعلًا دبلوماسيًا وازنًا، بينما تبحث الجزائر عن بوصلة جديدة تعيدها إلى الخارطة السياسية الدولية.