من الصحراء الغربية إلى الصحراء الشرقية: المغرب بين جمهور الاعتراف الدولي ومتاهات التكوين الاستعماري
بوشعيب البازي
بروكسل – مع تبنّي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للقرار 2797 يوم 31 أكتوبر 2025، الذي جعل الصحراء الغربية تحت مظلة “الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية” كحلّ «جديّ ومُعتمد» للنزاع، استعاد المغرب دبلوماسيّاً دفعة قوية في ملف الجنوب. لكن بينما يحتفي بهذا الإنجاز، يذكّره التاريخ بأن ثمة ملفّاً آخر «خارج البوصلة الرسمية» لا يقلّ تعقيداً، ملفّ الصحراء الشرقية (شرقيّ المملكة) والمناطق التي ضُمّت – أو أُخِذت – من المغرب في الحقبة الاستعماريّة لصالح ما أصبح اليوم أراضي الجزائرية.
إذ كيف يمكن، إذن، للمملكة أن تتقدم “خطوة ملموسة” في الجنوب وتفتح في الوقت نفسه، ربما، صفحة أخرى «معلقة» في الشرق؟ هذا ما يسعى هذا التحقيق الصحفي إلى تبيانه، من خلال نقلة تاريخيّة وتحليل قانوني واقتراب استراتيجي.
خلفية تاريخية: ما الذي جرى في الشرق؟
من المعروف أن الحدود المغربية ـ الجزائرية اليوم ترسّخت خلال الحكم الاستعماري الفرنسي، ولكن المصادر المغربية تؤكد أن أجزاءً من “الصحراء الشرقية” – وأوْساع من مناطق جنوب المغرب – كانت خاضعة لمشيخة سلطانية مغربية قبل أن «تحوّلها فرنسا» لخدمة الجزائر الفرنسية. فبموجب عدة خطوط حدودية استعمارية: خط (Lalla Marnia) عام 1845، وخط (Varnier) عام 1902، وخطّ (Trinquet) عام 1938، تم رسم وتثبيت حدود غيّبت أو هجّرت بعض المناطق التي تعدّ اليوم داخل الجزائر.
على سبيل المثال، تلميحات مغربية تشير إلى أن منطقتي تندوف وبشار، من بين الأقاليم التي «قُلّبت» بالقلم الاستعماري.
كما أن عدة منابع تاريخية تُبيّن أن هذا الوضع كان أساساً لمواجهة مسلحة بين المغرب والجزائر في ما عرف بـ «حرب الرمال» 1963.
ثمة رواية مغربية ترى أن «الجغرافيا الاستعمارية» أمّنت بُعداً لترسّخ حدودٍ لا تعكس بالضرورة ما قبل الاستعمار، وأن المملكة لا تزال تحتفظ بأرشيف ومطالب ضمن هذا الإطار.
بعد الاعتراف الدولي بالصحراء الغربية: ماذا عن الشرق؟
الدفعة التي حصل عليها المغرب في ملف الصحراء الغربية من حيث الاعتراف الدولي تُعدّ ذات دلالة كبيرة. القرار 2797 أعطى لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية “غطاءً سياسيّاً قوياً” من الأمم المتحدة.
في المقابل، ملفّ الصحراء الشرقية لم يركن بعد إلى ترتيب دولي مكافئ أو إلى مشروع تفاوضي واضح دولياً. هذا يضع المملكة في موقع تجريبي: هل يمكن أن تُوظّف الزخم الدبلوماسي الجنوبي ليشمل الشرق؟ وما الوسيلة القانونية لذلك؟
الوسائل القانونية الممكنة لاسترجاع الصحراء الشرقية
من منظور قانوني-دولي، يمكن تفصيل وسيلة إستراتيجية قانونية مقترحة على الشكل التالي:
- توثيق الأرشيف والوثائق التاريخية، إذ تؤكد الجهات المغربية وجود أرشيف مفصّل يُثبت خضوع المناطق الشرقية قبل الاستعمار لإمارة مغربية أو للخلافة العلوية.
- فتح مفاوضات ثنائية مع الجزائر، يمكن للرباط تقديم ملف رسمي إلى الجزائر يتضمّن هذه الوثائق ويطالب بترسيم مراجعة الحدود بناءً على مبادئ القانون الدولي للحدود واستحقاقات ما قبل 1930، مع استئناف الحوار حول «الخط الاستعماري» كخطّ متغيّر وليس نهائياً.
- لجوء إلى محافل دولية، من خلال الأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية، لرفع مطالبة أو استفسار حول تقرير الحدود الاستعمارية السابقة وطلب دراسة تاريخية مستقلة حول الأقاليم المعنية، شأنها شأن مطالبات المغرب في الجنوب.
- مساومة دبلوماسية اقتصادية واستثمارية: يمكن للمغرب أن يربط ملفّ الشرق بآليات تعاون إقليمي، ما يعزّز موقفه التفاوضي ويُحدِث واقعية على الأرض تُسهّل استعادة أو إعادة الترسيم.
- بناء قاعدة شعبية محلية، أيّ قضية كهذه تحتاج إلى تحشيد محلي – سكان المناطق المعنية، مغاربة وأقليات قبلية – لتكوين ضغط داخلي وإقليمي يدعم المطلب القانوني.
تحليل ختامي: بين الإمكانات والقيود
إن ما حصل في ملف الصحراء الغربية يبيّن أن المملكة المغربية قادرة على تحويل معاركها الإقليمية إلى ملفات دبلوماسية ناجحة. لكن نقل هذا المنهج إلى ملف الصحراء الشرقية ليس مضمّناً أو أوتوماتيكياً.
- إمكانية النجاح: التوظيف القانوني-الدبلوماسي ممكن، خصوصاً إذا تم توحيد الرؤية الوطنية وجاءت استراتيجياً.
- القيود: الجزائر تعتبر هذه الحدود جزءاً من الوضع الراهن، والمجتمع الدولي حتى الآن لا يظهر رغبة واسعة في مراجعة حدود استعمارية في إفريقيا. كذلك، استعادة الأراضي تحتاج إلى تنفيذ فعلي، وليس مجرد مطالب أسطورية.
- التوقيت: من الحكمة استغلال الزخم الدولي حالياً في الجنوب – باعتبار الاعتراف الدولي لحكومة الرباط – والانطلاق من هناك إلى ملف الشرق، وليس معكوساً.
في الختام، يمكن القول إن المملكة المغربية تواجه اليوم «فرصة قانونية-تاريخية» وقفت عندها في الجنوب، وهي اليوم مطالَبة بأن تقدّم «خارطة طريق مشابهة» في الشرق، إن أرادت أن تُحقّق «تكاملاً جغرافياً ووطنياً» وليس مجرد انتصار تكتيكي. الملف ليس مغلقاً، لكنه يتطلّب عزم المبادرة وأدوات التنفيذ.