ألمانيا تشترط إطلاق سراح صنصال… والجزائر تشترط الشفاء من “داء النفاق السياسي”!

بقلم بوشعيب البازي

Screenshot

يبدو أن المشهد السياسي الجزائري بات مؤهلاً للحصول على جائزة “الكوميديا الدبلوماسية” لهذا العام. فبينما تتباهى السلطة بثروات الغاز والبترول التي “تغذي أوروبا وتدفئها”، يجد رئيسها نفسه في مأزق صحي لا يمكن علاجه في أرض المليون ونصف شهيد، لأن هذه الأرض، ببساطة، لم تُنجز بعد “مستشفى رئاسيًّا بمواصفات رئاسية”.

الخبر الذي تسرّب من دوائر أوروبية كان كافياً ليُحدث ضجة: برلين تضع شرطاً سياسياً مقابل العلاج الطبي. ألمانيا، البلد الذي يتقن الجمع بين الأخلاق والدبلوماسية الباردة، قالتها بوضوح،  “أطلقوا سراح الكاتب بوعلام صنصال أولاً، ثم تعالوا نتحدث عن استقبال الرئيس عبد المجيد تبون في إحدى مصحاتنا”.

شرط لا يخلو من الرمزية، صنصال، المثقف الممنوع في بلاده، يصبح فجأة “جواز سفر أخلاقي” للرئيس الباحث عن العلاج في الخارج.

لكن المفارقة ليست في الشرط الألماني، بل في المشهد الجزائري نفسه. فبلد يصدر الغاز إلى نصف القارة العجوز، ويحتفل ليل نهار بـ”السيادة الوطنية” و”القرار الحر”، لا يستطيع حتى الآن إنشاء مستشفى يليق بعلاج مسؤوليه. الغاز يصدر إلى برلين، لكن الأوكسجين يُستورد من باريس. النفط يُباع بالدولار، لكن الأجهزة الطبية تُشترى بالانتظار.

إنها معادلة عبثية بامتياز: نظام يملك المال ولا يملك الرؤية. بلد غني بالثروات، فقير بالبنية التحتية. فبينما أنفقت الجزائر مليارات الدولارات على مشاريع وهمية، لا يزال المواطن—بل وحتى الرئيس—يُفضّل الطائرة نحو أوروبا كلما سعل قليلاً أو ارتفعت حرارته.

المفارقة الساخرة أن تبون نفسه سبق أن وعد في أكثر من خطاب بإنهاء “سياسة العلاج في الخارج”، وها هو الآن يبحث عن سرير ألماني بترخيص دبلوماسي!

في الواقع، ألمانيا لم تفعل سوى رفع المرآة في وجه السلطة الجزائرية. فحين يطالب بلد متقدم بالإفراج عن كاتب من أجل استقبال رئيس، فإن الرسالة واضحة: “أنتم لا تعانون فقط من أزمة صحية، بل من أزمة فكرية عميقة.”

صنصال، الذي نُفي أدبياً من وطنه، أصبح اليوم رمزاً لحرية الكلمة، في حين أصبح النظام الذي سجنه رهينةً لقرارات الدول التي ينتقدها ليل نهار.

ربما آن الأوان للجزائر أن تعيد النظر في أولوياتها:

فبدلاً من بناء الأبراج الفارغة والمشاريع الورقية، كان الأولى أن تُبنى مستشفيات تُداوي الجسد قبل أن يُغادره الرأس نحو الخارج. وبدلاً من ملاحقة الكتّاب والمفكرين، كان الأجدر الاستماع إليهم، فهم على الأقل لا يكلفون الدولة تذاكر سفر ولا “تأشيرات علاجية”.

ولعل أكثر ما يثير السخرية أن نظاماً يرفع شعار “الكرامة الوطنية” يجد نفسه يتوسل العلاج في بلد يطالب بالإفراج عن أحد ضحاياه الفكرية. إنه مشهد كاريكاتوري يُلخّص مفارقة السلطة الجزائرية: دولة تبيع الغاز ولا تملك مستشفى، تحبس المفكر وتستجدي الطبيب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com