بعد القرار الأممي الأخير… هل يستعد المغرب لفرض سيادته الكاملة على المنطقة العازلة؟

بوشعيب البازي

تعود المنطقة العازلة شرق الجدار الأمني في الصحراء المغربية لتتصدر واجهة الأحداث، بعد القرار الأممي الأخير الذي ثبّت من جديد سيادة المملكة على أراضيها الجنوبية، وفتح الباب أمام نقاش موسّع داخل المؤسسات المغربية حول مستقبل هذه الرقعة الاستراتيجية. مصادر مطلعة تؤكد أن دراسة رسمية جرت بين مسؤولين مغاربة خلال الأيام الماضية، وأن بداية السنة المقبلة قد تحمل ملامح تحركات ميدانية جديدة، عنوانها الواضح: إنهاء الوضع الملتبس داخل المنطقة العازلة، واستعادة المغرب لحقه الكامل في ضبطها.

منطقة حساسة تحوّلت إلى ورقة ابتزاز

لطالما شكلت المنطقة العازلة أحد أعقد ملفات النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. فهذه المساحة التي تمثل حوالي 20% من الامتداد الجغرافي للأقاليم الجنوبية، وُضعت بموجب اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991 كمنطقة منزوعة السلاح. غير أنّ الواقع على الأرض كشف، مرارًا، عن استغلال ممنهج من طرف جبهة البوليساريو بدعم مباشر من الجزائر؛ سواء عبر إنشاء نقاط مراقبة غير قانونية، أو بناء منشآت مؤقتة، أو محاولة فرض أمر واقع عسكري جديد.

ومع أن الاتفاق الأممي كان يفترض أن يجعل المنطقة حاجزًا لخفض التوتر، إلا أنها تحولت، عمليًا، إلى مجال مفتوح للتحركات الاستفزازية. أبرز الأمثلة يبقى أزمة الكركرات عام 2020، حين حاولت الجبهة إغلاق المعبر الحدودي، فكان الرد المغربي حاسمًا باستعادة النظام وفرض سيطرة كاملة ودائمة على المنطقة.

ما بعد الكركرات: سياسة جديدة أم مرحلة انتقالية؟

شكل تدخل القوات المسلحة الملكية في الكركرات نقطة تحول واضحة. فالمغرب أكد حينها، ليس فقط استعداده للدفاع عن حدوده، بل أيضًا قدرته على إعادة هندسة قواعد اللعبة الميدانية كلما اقتضت الضرورة. ومنذ ذلك الحين، لوحظ تراجع كبير في قدرات البوليساريو على المناورة داخل المنطقة العازلة، وتزايد اعتماد الجزائر على التصعيد الإعلامي بدل التحرك الميداني.

غير أن تحركات البوليساريو السابقة – بما في ذلك إعلانها نقل “مقرات” إلى المنطقة العازلة – جعلت الرباط تعيد تقييم وضع المنطقة برمّته، خاصة في ظل التهديدات المستمرة للأمن القومي المغربي.

الأهمية الجيوستراتيجية… ما وراء البعد العسكري

تكتسي المنطقة العازلة أهمية مضاعفة بالنسبة للمغرب، تتجاوز بعدها العسكري المباشر. فهي تشكل بوابة طبيعية نحو الحدود الموريتانية، وممرًا اقتصاديًا حيويًا في سياق الطموح المغربي لتعزيز دوره كمنصة لوجستية تربط أوروبا بإفريقيا.

وتأمين هذه المنطقة قد يفتح آفاقًا واسعة للاستثمار في البنية التحتية، وتطوير المشاريع الكبرى في الأقاليم الجنوبية، بالتوازي مع الدينامية التنموية التي تعرفها العيون والداخلة خلال السنوات الأخيرة.

تحولات دولية داعمة… وانكماش في أوراق البوليساريو

على الصعيد الدبلوماسي، يعيش المغرب إحدى أقوى مراحل الدعم الدولي لقضيته الوطنية. فالاعتراف الأمريكي بسيادة المملكة على الصحراء، وما تلاه من فتح قنصليات في العيون والداخلة من قبل دول إفريقية وعربية وأمريكية لاتينية، أفرز واقعًا جديدًا جعل أطروحة البوليساريو خارج السياق الإقليمي والدولي.

كما أن تقارير أممية وتقويمات داخل مجلس الأمن باتت تشير – بشكل أكثر وضوحًا – إلى ضرورة تحيين آليات ضبط المنطقة العازلة، ووقف جميع أشكال تغيير الوضع القائم من طرف الجبهة الانفصالية.

هل يعيد المغرب رسم قواعد الانتشار العسكري؟

في ضوء المعطيات المتراكمة، تبدو احتمالات دخول المغرب إلى أجزاء من المنطقة العازلة خيارًا واردًا أكثر من أي وقت مضى. فالمملكة تمتلك، اليوم، ما يكفي من القوة العسكرية والشرعية السياسية والدعم الدولي لفرض سيادتها على كامل أراضيها، كما فعلت في الكركرات.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن القرار الأممي الأخير فتح نقاشًا داخليًا رسميًا حول آليات التعامل مع المنطقة العازلة، وأن بداية 2026 قد تشهد خطوات عملية لإعادة تموضع القوات المسلحة الملكية، بما يتناسب مع مقتضيات حماية الأمن القومي.

نهاية وضع ملتبس؟

إن استمرار الوضع الحالي، بشكله الفضفاض، يمنح البوليساريو هامشًا للمناورة، ويتيح للجزائر الاستمرار في توظيف المنطقة لإبقاء التوتر قائمًا. لذلك، فإن خيار المغرب في المرحلة المقبلة قد يتجه نحو إغلاق هذا الملف بشكل نهائي عبر دمج المنطقة العازلة ضمن المنظومة الدفاعية الوطنية، سواء عبر مراجعة الإطار الأممي أو عبر فرض واقع ميداني جديد.

في ظل التغيرات الإقليمية، وعودة التوازنات الدولية لمصلحة الرباط، يظل السؤال المطروح:

هل يواصل المغرب سياسة التريث الاستراتيجي؟ أم أن المرحلة المقبلة ستشهد تحركًا أكثر جرأة لاستعادة السيادة الكاملة على المنطقة العازلة؟

ما يبدو مؤكدًا هو أن الرباط لم تعد تنظر إلى المنطقة العازلة كمساحة مؤقتة، بل كجزء لا يتجزأ من أمنها القومي ووحدتها الترابية، وأن الحسم قد يكون أقرب مما يعتقد البعض

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com