المغرب يدخل عصر التصنيع الدفاعي الذكي: مصنع “سباي إكس” يفتح مرحلة جديدة في بناء القوة العسكرية الوطنية
مجدي فاطمة الزهراء
شهدت الصناعة الدفاعية المغربية خلال الأشهر الأخيرة تطورًا لافتًا، تمثل في إعلان شركة “بلوبيرد أيرو سيستمز” افتتاح أول منشأة إنتاج للطائرات الانتحارية من طراز “سباي إكس” بالمغرب، في خطوة تؤشر على تحول إستراتيجي في مسار التعاون الصناعي العسكري بين الرباط وشركائها الدوليين.
ويمثل هذا المصنع، الواقع في بنسليمان، نقطة تحول في قدرات المغرب الدفاعية، إذ يسمح لأول مرة بإنتاج وتجميع ذخائر جوالة محليًا موجهة نحو تنفيذ مهام هجومية دقيقة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتتبع الآلي قبل الانقضاض على الهدف وتدميره.
قدرات تقنية عالية… وجيل جديد من الطائرات الانتحارية
تأتي هذه الخطوة بعد أن اختبر الجيش المغربي الطائرة “سباي إكس” في مارس 2024، وهي منظومة تتميز بمرونة استعمال كبيرة وبقدرات تقنية متقدمة.
فالطائرة قادرة على حمل رأس حربي يزن 2.5 كيلوغرام، والوصول إلى سرعة 250 كيلومترًا في الساعة، ويمكنها التحليق لمدة تصل إلى 90 دقيقة مستفيدة من نظام استقلالية عالي الأداء.
ويجري توجيه هذه الدرونات بالأساس لضرب الدبابات والمدرعات والبطاريات العسكرية، وهو ما يمنح المغرب قدرة أكبر على الردع وتحسين فعاليته في مراقبة الحدود والتعامل مع التهديدات المحيطة.
نقل تكنولوجيا… وصناعة خبرات مغربية خالصة
وفق تقرير صحيفة “غلوبز”، يشكل افتتاح مصنع “سباي إكس” خطوة مركزية في مسار تعزيز استقلال المغرب الدفاعي. فالمهندسون والفنيون المغاربة سيتولون عمليات التجميع والصيانة بعد تلقيهم تدريبات تقنية متقدمة من الشركة الإسرائيلية، في إطار شراكة واضحة تقوم على نقل التكنولوجيا وبناء كفاءات محلية دائمة في الصناعات الإلكترونية والميكانيكية العسكرية.
ويرى مراقبون أن هذا المشروع يتجاوز مجرد التصنيع، فهو يمثل بداية دخول المغرب إلى مجال الذخائر الذكية، ويفتح الباب أمام تكوين جيل من التقنيين والمهندسين في مجالات حساسة تشمل الطائرات المسيرة، الإلكترونيات الدفاعية، والصيانة الدقيقة للأنظمة القتالية.
تحول إستراتيجي: من الاستفادة من الخبرة… إلى إنتاجها
يؤكد الباحث في الدراسات الأمنية والإستراتيجية محمد الطيار أن إطلاق خط الإنتاج المحلي وتلقي تدريبات متقدمة يشكلان تحولًا نوعيًا في مسار التطور الدفاعي الوطني. ويوضح أن المغرب ينتقل من مرحلة تلقي التكنولوجيا إلى مرحلة امتلاك القدرة على إنتاجها وتطويرها، وهو ما يعزز استقلاله الأمني وكفاءته العملياتية.
ويضيف الطيار أن امتلاك خبرات وطنية في تقنيات الطائرات المسيرة والذكاء الاصطناعي يعزز من جاهزية القوات المسلحة، ويقلص تبعيتها للخارج، كما يسمح ببناء منظومة ردع ذكية قائمة على التطوير المحلي.
ميزانية دفاعية غير مسبوقة… ورؤية لتنويع الصناعات العسكرية
ولم يكن هذا التطور بمعزل عن الارتفاع الكبير في الإنفاق الدفاعي. فقد رفع المغرب ميزانيته العسكرية لعام 2026 إلى 157.171 مليار درهم (15.7 مليار دولار)، وهو مستوى قياسي يعكس رغبة المملكة في تعزيز سيادتها الدفاعية وتحديث قواتها البرية والجوية وتطوير صناعة دفاعية وطنية تنافسية.
ويشير الطيار إلى أن هذا التوجه يجعل المغرب أحد أكبر المنفقين دفاعيًا في أفريقيا، ويؤكد سعيه لترسيخ موقعه كقوة إقليمية صاعدة وقادرة على مواكبة التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة.
أول مصنع للذخائر الانتحارية في المنطقة… ودور محوري في أمن الشمال الأفريقي
يعد مصنع “سباي إكس” أول منشأة من نوعها لإنتاج ذخائر انتحارية في المنطقة المغاربية، ويأتي في سياق يتجه فيه العالم نحو الاستثمار المكثف في الطائرات المسيرة بعد دورها الحاسم في الحروب الحديثة.
وسيُتيح هذا المشروع للمغرب تعزيز مراقبة حدوده الجنوبية والشرقية، والتعامل بفعالية مع التحديات الأمنية في منطقة الساحل، إضافة إلى تعزيز دوره في تأمين فضائه الأطلسي والأفريقي.
كما من شأن تطوير صناعة دفاعية محلية أن يمنح الرباط استقلالية أكبر في القرار الأمني والعسكري، ويعيد التوازن في شمال أفريقيا، خاصة في ظل سباق تسلح إقليمي متصاعد.
صناعة دفاعية واعدة: مشاريع جديدة وفرص تشغيل
وفي السياق نفسه، كشف الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، أن سنة 2024 شهدت الترخيص لـ10 مشاريع دفاعية باستثمارات بلغت 260 مليون دولار، ستوفر أكثر من 2500 وظيفة مباشرة، في إطار خطة شاملة تهدف إلى تلبية حاجيات الجيش المغربي وتخصيص جزء من الإنتاج للتصدير نحو الأسواق الأفريقية والدولية.
كما صادق المغرب في نوفمبر الماضي على مرسوم يمنح إعفاءات ضريبية للشركات العاملة في القطاع الدفاعي، بهدف جذب الاستثمارات الدولية وتسريع مسار نقل التكنولوجيا.
ومن المتوقع أن تشهد سنة 2026 توسعًا إضافيًا في الإنفاق الدفاعي مع جاهزية منطقتين صناعيتين دفاعيتين لاستقبال المستثمرين، وهو ما يشكل خطوة جديدة نحو بناء قاعدة صناعية دفاعية مستقلة ومتكاملة.
المغرب يبني قوته… بالتصنيع والتقنية والتحالفات الذكية
إن افتتاح مصنع “سباي إكس” ليس حدثًا صناعيًا تقنيًا فقط، بل يمثل جزءًا من تحول إستراتيجي شامل تسعى من خلاله المملكة إلى تطوير قدراتها الدفاعية عبر التصنيع المحلي، ونقل التكنولوجيا، وتكوين كفاءات وطنية، وتعزيز ميزانيات التحديث العسكري.
وفي ظل بيئة إقليمية مضطربة وتحديات أمنية معقدة، يضع المغرب نفسه في موقع متقدم كقوة دفاعية صاعدة، قادرة على تصنيع جزء من ترسانتها العسكرية، والتحكم في تقنيات متطورة، والتموقع بثبات ضمن القوى الإقليمية التي تمتلك قرارها الأمني والعسكري.
بهذه الخطوات، تدخل الرباط مرحلة جديدة عنوانها: السيادة الدفاعية المبنية على التكنولوجيا الوطنية والشراكات الذكية.