كوبنهاغن تحتفل بالمسيرة الخضراء: عندما تتحول الجالية المغربية إلى جسر دبلوماسي ضاغط
يوسف لفرج
لم تكن الاحتفالية التي نظمها المنتدى الدنماركي المغربي في كوبنهاغن مجرّد لقاء تذكاري بذكرى المسيرة الخضراء. الحدث، الذي جاء في توقيت سياسي ودبلوماسي بالغ الدلالة، عكس شيئاً أكبر من مراسم احتفال: عكس قدرة الجالية المغربية على تحويل المناسبة الوطنية إلى منصة تواصل مؤثرة، تردد في شمال أوروبا أصداء التحولات التي تعرفها قضية الصحراء المغربية على المستوى الدولي.
في قاعة امتلأت بالحضور، اجتمع مغاربة الدنمارك وضيوف من مختلف الخلفيات للاحتفال بالذكرى الخمسين لهذه الملحمة الوطنية، لكنهم احتفلوا أيضاً بواقع سياسي جديد فرض نفسه منذ صدور القرار الأممي 2797 نهاية أكتوبر الماضي، والذي أقرّ مجدداً بمغربية الصحراء وعزّز الدينامية التي تراكمت خلال السنوات الأخيرة.
بعد القرار 2797… احتفال بنَفَس جديد
لم يكن الحماس الذي طبع الاحتفالية مجرد انفعال عابر. فقد بدا واضحاً أن الجالية المغربية بكوبنهاغن تتعامل مع القرار الأممي الأخير كجزء من سردية نجاح دبلوماسي طويل الأمد.
وقرأ الحاضرون القرار باعتباره اعترافاً مضاعفاً:
اعتراف بمشروعية الطرح المغربي، واعتراف أيضاً بنجاعة الدبلوماسية التي يقودها الملك محمد السادس، والتي استطاعت أن تغيّر موازين القراءة الدولية للملف.
مصطفى الطيبي، رئيس المنتدى الدنماركي المغربي، قدّم تلخيصاً دقيقاً لهذه اللحظة عندما أكد أن المشاركين جدّدوا التزامهم بمساندة الجهود الملكية، مضيفاً أن المغرب اليوم يُقنع، وينجح، ويكسب دعماً متزايداً من فاعلين دوليين كانوا إلى وقت قريب مجرد “متفرجين” في الملف.
الجالية… “دبلوماسية شعبية” بتأثير متزايد
لا يخفى أن الجالية المغربية في أوروبا الشمالية لعبت خلال السنوات الأخيرة دور الوسيط غير الرسمي الذي يساهم في تصحيح الصورة ودحض الدعاية المناوئة للوحدة الترابية.
وهذه الاحتفالية، التي اختُتمت بحفل عشاء جمع رموزاً ثقافية واقتصادية، لم تكن بعيدة عن هذا الدور:
جالية متماسكة تعيد تقديم المغرب كنموذج في الاستقرار والتنمية، وتربط بين الهوية الوطنية ومراكز التأثير الدولي.
وقد بدا ذلك واضحاً في التفاعل الذي عرفته المداخلات، حيث لم يكن الأمر مجرد “احتفال بالذكرى”، بل خطاباً وطنياً في فضاء أوروبي، في لحظة يسعى فيها المغرب إلى تعزيز مكاسبه الدبلوماسية.
“فرح مضاعف” ورمزية تتجدد
محمد الطنجي، رئيس جمعية المستثمرين المغاربة بالخارج، لخّص السياق بدقة حين وصف احتفالات هذا العام بأنها تحمل “فرحاً مضاعفاً”.
فالاحتفال لا يأتي فقط في لحظة انتصار دبلوماسي، بل يتقاطع أيضاً مع قرب تخليد عيد الاستقلال، ما يمنح المناسبة ثقلاً رمزياً مزدوجاً يؤكد استمرارية التعبئة الوطنية حول القضية الأولى للمملكة.
شخصيات من قلب المغرب ومن عمق أوروبا
تميزت الفعالية بحضور شخصيات وازنة، من بينها الفاعل القاري خالد البودالي وحنفي العدلي القادم من مدينة السمارة، واللذان عبّرا صراحة عن دعمهما لمبادرات الدفاع عن الوحدة الترابية.
وجودهما جسّد الرابط بين المغرب العميق والمغرب المقيم بالخارج، في صورة تعكس وحدة الخطاب ووحدة الهدف.
المسيرة الخضراء… من حدث تاريخي إلى استراتيجية مستقبلية
تثبت احتفالية كوبنهاغن أن المسيرة الخضراء ليست مجرد ذكرى تُستعاد سنوياً، بل أصبحت إطاراً يختبر عبره المغاربة خارج الوطن مدى انخراطهم في الدفاع عن ثوابت المملكة.
والجالية، التي كانت لعقود مجرد جسر اقتصادي وثقافي، تتحول اليوم إلى فاعل دبلوماسي مكمّل، يواكب التحولات الدولية ويدعم المسار الذي يرسّخه المغرب بثبات.
في كوبنهاغن، لم تُحتفل الذكرى الخمسون فقط… بل احتُفل أيضاً بالمغرب الجديد:
مغرب واثق، ناجح، ويمتلك سرديته الخاصة التي بدأ العالم يتعامل معها بجدية أكبر.