أعوان الظل في دبلوماسية المغرب… رسالة مفتوحة تكشف الوجه الخفي لوضعية موظفي البعثات في الخارج

بوشعيب البازي

في الوقت الذي تواصل فيه الدبلوماسية المغربية تعزيز حضورها القاري والدولي، برزت إلى الواجهة واحدة من أكثر القضايا حساسية داخل هندسة وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وضعية الأعوان المحليين العاملين في سفارات وقنصليات المملكة عبر العالم.

ورغم أن هؤلاء الموظفين يشكّلون ما يقرب من نصف الموارد البشرية في التمثيليات الدبلوماسية، ويضطلعون بأدوار محورية في الاستقبال، والإدارة، وتدبير الملفات القنصلية، إلا أن أوضاعهم المهنية والاجتماعية ظلت، لسنوات، أسيرة منطق التجاهل والتهميش.

رسالة مفتوحة إلى بوريطة… صرخة مهنية تتجاوز الطابع الإداري

الرسالة التي وُجهت حديثًا إلى وزير الشؤون الخارجية، السيد ناصر بوريطة، لم تكن مجرد مراسلة تقنية، بل جاءت بصيغة أقرب إلى نداء إنساني ومهني يسلّط الضوء على واقع لا يليق بصورة الدبلوماسية المغربية.

وبحسب فحوى الرسالة، فإن الأعوان المحليين، المنتشرين خصوصًا في البلدان الأوروبية، يواجهون وضعية معقدة يمكن تلخيصها في ثلاثة محاور أساسية:

  • غياب تام لإعادة تقييم الأجور منذ 2019، رغم التحولات الاقتصادية المتسارعة عالميًا.
  • تدهور خطير للقدرة الشرائية بعد أزمة كوفيد وما رافقها من موجات التضخم.
  • ارتفاع غير مسبوق لتكاليف العيش في دول الانتداب، خاصة في أوروبا الغربية.

ورغم أن المغرب اعتمد خلال السنوات الأخيرة عدة تدابير لرفع الأجور وتحسين شروط العمل داخل التراب الوطني، إلا أن الأعوان المحليين في الخارج ظلوا خارج هذه الدينامية، ما خلق إحساسًا متناميًا بـ اللاعدالة المؤسسية.

أعمدة تقوم عليها الدبلوماسية… لكن بلا إطار واضح

الرسالة المفتوحة أشارت، بوضوح، إلى المفارقة الكبيرة بين ثقل الدور وضعف الوضع القانوني لهؤلاء الموظفين. فبينما تعتمد عليهم القنصليات في ضمان استمرارية الخدمات اليومية، من معالجة الملفات إلى التواصل مع الجالية، لا يستند وجودهم المهني إلى نظام إداري واضح يحدد الحقوق، المسار المهني، أو حتى الضمانات الاجتماعية.

بل إن بعض البعثات، وفق مصادر مهنية، تعتمد على اجتهادات محلية أو ترتيبات داخلية تختلف من بلد لآخر، في غياب إطار موحد يحمي هؤلاء الموظفين من التعسف أو الهشاشة القانونية.

المطالب… إصلاح جذري لا ترقيع مرحلي

الرسالة دعت الوزير بوريطة إلى ثلاثة إجراءات أساسية:

  1. مراجعة عاجلة للأجور مع أخذ تكلفة المعيشة في كل بلد بعين الاعتبار.
  2. وضع نظام إداري واضح ومنصف يحدد الوضع القانوني والحقوق والالتزامات.
  3. إدماج مؤسسي حقيقي داخل هيكلة الوزارة، ينسجم مع دورهم المحوري في الدبلوماسية.

هذه المطالب، وفق مراقبين، لا تعكس فقط ضرورة تحسين الأوضاع المهنية، بل تتماشى أيضًا مع التوجيهات الملكية التي تشدد على الحكامة، وتثمين الرأسمال البشري، وضمان كرامة العمل داخل المؤسسات العمومية.

بين الصورة المشرقة للدبلوماسية… والواقع الصامت في الكواليس

منذ سنوات، تحرص وزارة الخارجية على تقديم نموذج دبلوماسي حديث، نشط، وقادر على مواكبة التحولات العالمية. غير أن استمرار هشاشة الأعوان المحليين يهدد، في العمق، بتقويض هذا النموذج من الداخل.

فكيف يمكن تحقيق فعالية دبلوماسية في غياب استقرار اجتماعي للموظفين الذين يشكّلون الواجهة اليومية للمملكة أمام مواطنيها في الخارج؟

اختبار مصداقية لدبلوماسية الكفاءات

تضع هذه الرسالة، وما تمثله من إجماع صامت داخل عدد من البعثات، وزارة الخارجية أمام اختبار مصداقية حقيقي:

هل تستطيع دبلوماسية المغرب، التي انطلقت بقوة نحو إفريقيا وأوروبا وآسيا، أن تعيد الاعتبار للموارد البشرية التي تحمل جزءًا من هذا الطموح على أكتافها؟

الإجابة، كما تشير مصادر ميدانية، لا تحتاج سوى قرار سياسي إداري شجاع، يعيد التوازن بين خطاب التحديث وواقع العمل داخل التمثيليات.

ويبقى السؤال مفتوحًا، هل ستتدخل الوزارة لصيانة كرامة العاملين في الصف الأول للدبلوماسية المغربية؟

الأيام المقبلة وحدها ستكشف ذلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com