تحوّل في المزاج الصحراوي بعد القرار الأممي: الحكم الذاتي المغربي يفتح صفحة جديدة في الأقاليم الجنوبية
بوشعيب البازي
يعكس التقرير التحليلي الأخير لوكالة فرانس برس ملامح تحوّل لافت في المزاج الاجتماعي والسياسي داخل الأقاليم الجنوبية المغربية، بعد القرار الأممي الذي اعتمد مبادرة الحكم الذاتي المغربية كخيار واقعي وعملي لتسوية نزاع الصحراء. فشيوخ القبائل والفاعلون المحليون، الذين التقتهم الوكالة خلال جولة ميدانية بمدينة العيون، اعتبروا القرار “منعطفاً تاريخياً” يقترب بالإقليم من حل طال انتظاره منذ عقود.
تحوّل النظرة المحلية: من منطقة مهمشة إلى قطب تنموي
التقرير أبرز أن سكان العيون، كبرى حواضر الصحراء، ينظرون اليوم إلى مستقبل الإقليم بكثير من الثقة، اعتماداً على التحولات العميقة التي شهدتها المدينة منذ انتقالها إلى الإدارة المغربية سنة 1976. فمنطقة كانت تعاني ضعف البنية التحتية عقب الانسحاب الإسباني، تحوّلت تدريجياً إلى مركز حضري مكتمل بمؤسساته الصحية والتعليمية والاقتصادية، في مؤشر على استقرار متجذر يشكّل أساساً لأي حل سياسي دائم.
كما كشف التقرير أن عدداً كبيراً من السكان يعتبرون القرار الأممي الأخير خطوة ترفع الحرج القانوني الذي ظلّ لسنوات عائقاً أمام توسع الاستثمارات الأجنبية، وتفتح الباب أمام آفاق اقتصادية أوسع، خاصة في مجالات الصيد البحري والصناعات التقليدية، وهي قطاعات تمثل رافعة للتشغيل ومصدراً لهوية اقتصادية محلية.
دينامية أممية ـ مغربية لإعادة إدماج العائدين
هشام معتضد، الباحث في الشؤون الإستراتيجية، يرى أن السيناريو الأكثر واقعية يتمثل في “فتح قنوات تنسيق أممية ـ مغربية لإعادة إدماج الراغبين في العودة من مخيمات تندوف، ضمن إطار إنساني منظم يضمن الكرامة والحقوق”. ويستند هذا التقدير إلى ما جاء في خطاب الملك محمد السادس بعيد قرار مجلس الأمن، حين دعا الصحراويين في المخيمات إلى الالتحاق بوطنهم ضمن مبادرة الحكم الذاتي، مؤكداً استعداد المملكة لتوفير الضمانات اللازمة لهذا المسار.
ويضيف معتضد أن المغرب “يستعدّ لما بعد القرار برؤية متكاملة تربط بين الحل السياسي والتنمية المحلية، عبر تحويل الأقاليم الجنوبية إلى نموذج استقرار وجاذبية، يجعل خيار العودة منطقياً لكل من عانى التهميش واللاتيقن في تندوف”.
قضية إنسانية قبل أن تكون نزاعاً سياسياً
ويؤكد معتضد أننا اليوم “أمام مشهد جديد تتقاطع فيه السياسة بالبعد الإنساني”، إذ لم تعد المخيمات مجرد ملف جغرافي أو نزاع حدودي، بل تحوّلت إلى مسألة كرامة وحق في الانتماء. فالقرار الأممي الأخير – كما يقول – “منح الأمل بإغلاق صفحة مؤلمة من التاريخ الحديث، شريطة ترجمة مضمونه إلى واقع ميداني يحفظ للصحراويين إنسانيتهم”.
تطلعات نسائية: الحكم الذاتي كرافعة لاقتصاد اجتماعي جديد
وفي شهادات نقلها تقرير فرانس برس، أعربت فاعلات ثقافيات وصاحبات تعاونيات نسائية عن أملهن في أن يساهم الحكم الذاتي في توسيع برامج الدعم الموجه للنساء الصحراويات، خصوصاً العاملات في الصناعات التقليدية اللواتي يعانين نقص التمويل اللازم لتوسيع مشاريعهن. وتشير هذه الشهادات إلى مدينة تتطلع لمرحلة أكثر استقراراً، تعوّل فيها على الحل السياسي لتحرير طاقات اجتماعية واقتصادية ظلت كامنة لسنوات.
انعكاسات إقليمية… وتوتر مستمر مع الجزائر
من منظور أوسع، يرى مراقبون أن تثبيت الأمم المتحدة لمقاربة الحكم الذاتي سيعيد رسم النقاش حول مستقبل الإقليم، خاصة في ظل استمرار التوتر بين الرباط والجزائر، التي تدعم جبهة البوليساريو. فالقرار الأممي 2797 تبنى صراحة مقاربة تعتبر الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية “الخيار الأكثر واقعية”، ودعا الأطراف إلى الانخراط في مفاوضات على هذا الأساس، ما يمنح الرباط دعماً دبلوماسياً كبيراً في طرحها المعروض منذ 2007.
النداء الملكي: “فرصة تاريخية لجمع الشمل”
في خطابه يوم 31 أكتوبر، وجّه الملك محمد السادس نداء واضحاً لصحراويي مخيمات تندوف، دعاهم فيه إلى “اغتنام الفرصة التاريخية للعودة إلى الأراضي المغربية، والمساهمة في تدبير شؤونهم المحلية وتنمية وطنهم في إطار المغرب الموحّد”. وشدد الملك على أن المملكة “حريصة على إيجاد حل لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف”.
توازن بين الشرعية الدولية والتنمية المحلية
يؤكد محللون أن الرباط تتجه نحو تثبيت معادلة تجمع بين الاعتراف الدولي بمبادرتها وبين دينامية تنموية واسعة حولت مدن العيون والداخلة والسمارة إلى مراكز جذب استثماري. وفي هذا السياق، يمثل القرار الأممي الجديد منعطفاً يصعب تجاهله في إعادة صياغة مستقبل الإقليم، سواء على مستوى عودة العائلات من تندوف، أو على مستوى جاذبية المنطقة للمستثمرين الدوليين.