في أمسية جمعت بين الفن ودفء المكان، أسدل مهرجان الذاكرة المشتركة للسينما ستاره على دورةٍ جديدة احتضنها بهو فندق ميركور بمدينة الناظور، في حفل ختامي صُمّم بروح فنية أكثر منها تنظيمية. فقد اختار المهرجان هذه السنة فضاءً مفتوحاً على البحيرة، كإشارة رمزية إلى الانفتاح الذي يدافع عنه منذ تأسيسه: انفتاح على الآخر، على الذاكرة، وعلى الصورة التي لا تُختتم، وإن انتهت عروضها.
كان المكان، رغم محدودية مقاعده—نحو مائة وخمسين فقط—يتنفس بسعة بانفتاحه على الماء؛ فانعكست أضواء الحفل على صفحة البحيرة، مانحةً لحظات التتويج بعداً بصرياً لا يمكن الحصول عليه داخل قاعة مغلقة. وقد بدا واضحاً أن المنظمين أرادوا خلق فضاء يسمح بضربٍ من الحميمية بين الحضور: مخرجون، ممثلون، نقاد، أكاديميون، وشخصيات ثقافية توافدوا من المغرب والخارج، ليعيشوا ليلةً تشبه روح المهرجان نفسه—بسيطة، أنيقة، وقريبة من الإنسان.
تكريم… واعتراف بالجميل
شهد الحفل لحظة تقدير خاصة للخليفة الأول لرئيس مجلس المستشارين، عبد القادر سلامة، عبر تكريم قدّم لنجله سفيان سلامة، اعترافاً بالدعم الذي قدّمه الراحل للحركة السينمائية الوطنية. لحظةٌ حملت بدورها معنى الاستمرارية التي تؤمن بها السينما: لا شيء يمضي حقاً، ما دام أثره باقياً.
محطات التتويج: حضور مغربي… ونَفَس دولي
وحدها السينما تجمع التنوّع دون أن تفقد بوصلتها. وهو ما عكسته قائمة الجوائز التي أعلنتها لجان التحكيم:
- جائزة الفيلم القصير (باسم نور الدين الصايل): فيلم Anderdox (إنتاج بلجيكي)، مع تنويهين لفيلمي أخوة الرضاعة وحمي.
- جائزة الفيلم الوثائقي: عادت الأشجار الصامتة من بولونيا.
- جائزة البحث الثقافي: فيلم استقلال الجزائر للمخرج حسن البوهروتي، ابن تفرسيت بإقليم الدريوش.
- جائزة الفيلم الطويل الروائي: تنويه خاص لفيلم وشم الريح، وجائزة متميزة لفيلم بكاء الأبطال.
- جائزة أفضل ممثل: إدوارد فرنانديز.
- جائزة أفضل ممثلة: كلارا سيغورة.
- الجائزة الكبرى للفيلم الطويل الروائي (الرحلة ليلى مزيان): فيلم استمع للصمت (إنتاج بلجيكي–فرنسي).
- جائزة السيناريو: ثروة بلا دماء.
وقد تميزت الدورة بحضور لافت للأعمال المغربية، خصوصاً تلك القادمة من مبدعي المهجر، حيث تعدّدت الأعمال التي تشتغل على ثيمات الذاكرة والهجرة والانتماء. هذا الحضور أضاف بُعداً دولياً للحفل، مؤكداً أن السينما المغربية باتت تمتلك خطاباً عالمياً قادراً على عبور الحدود بثقة.
الناظور في المشهد الثقافي… مدينة تكتب ذاتها بالصورة
لم يكن الحفل مجرد نهاية لمهرجان، بل إعلاناً جديداً لدور الناظور كمدينة تُعيد تشكيل صورتها عبر الثقافة والسينما. كلمات الإشادة التي اختتم بها المنظمون الأمسية عكست هذا الإدراك الجماعي بأن المدينة لم تعد مجرد محطة عبور، بل فضاءً يحتضن التنوع والذاكرة المشتركة ويحوّل الصورة إلى جسر للتقارب بين الشعوب.
ومع آخر انعكاس لأضواء الحفل على مياه البحيرة، بدا كأن الرسالة التي يحملها المهرجان كل عام تُكتب من جديد:
ليست السينما مجرد فن يُشاهد… بل ذاكرة تُبنى، وصوتٌ ينصت للصمت كي يحفظ ما قد يضيع.