تيكتوكر… لكن بنسخة “مولينيكس”: حين تتحول الوصفات الرقمية إلى ملف جنائي ثقيل

بوشعيب البازي

يبدو أن زمن “المؤثرين” قد قرر أن يتجاوز مرحلة الترويج للكريمات وأسرار النضارة، ليقفز مباشرة إلى خانة الملفات الجنائية الثقيلة. آخر حلقات هذا المسلسل المغربي الطويل بطلها شاب عرف على منصّات التواصل بلقب “مولينيكس”  وهو لقب قد يبدو لأول وهلة كناية عن قدرة خارقة على خلط المحتوى… لكن الأمور، هذه المرة، اختلطت بشكل أكبر مما تتحمّله أي آلة كهربائية.

فبعد سنوات من الانتشار السهل والسريع على مواقع التواصل، بمواد اعتبرها كثيرون “مخلة بالحياء ومحرضة على الفساد”، انتهى الأمر بصاحب الحساب إلى زنزانة باردة في “سجن طنجة 2”، على ذمّة التحقيق، بعد قرار قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بطنجة متابعته في حالة اعتقال. هكذا، وبكبسة واحدة، انتقل الشاب من الشاشة الزرقاء إلى البدلة الرمادية.

من مؤثر إلى موقوف… الطريق القصير نحو العناوين العريضة

اعتُقل “التيكتوكر” بداية في مراكش، قبل أن يُرحّل إلى طنجة حيث توجد المحكمة التي تولّت ملفه. وقد أحيل على الوكيل العام للملك الذي وجّه إليه، وفق ما تداولته منابر إعلام وطنية، تهمًا تتعلق بـ“تحريض القاصرين على ممارسة البغاء والإخلال بالحياء العام”. وهي تهم ثقيلة، تجعل مؤشرات التفاعل ترتفع بطريقة لا يحلم بها أي مؤثر… لكن في المكان الخطأ تمامًا.

غير أن المفاجأة الأكبر لم تكن في توقيفه، بل في ما كشفته مصادر إعلامية حول اتهامات إضافية أكثر خطورة يواجهها  “مولينيكس”، وتتعلق – حسب ما نشر – بـ“الاتجار بالبشر واستغلال جنسي لقاصر دون 18 سنة عبر حدود المملكة”. وهي تهم ليست فقط خارج نطاق المحتوى الرقمي، بل خارج أي نطاق سوى صفحات القانون الزجري.

المنصات… عندما تتحوّل من فضاء للترفيه إلى مسرح جنائي

السخرية هنا ليست في الموضوع بل في المفارقة: منصات خُلقت لتسويق الرقصات القصيرة والمقالب الخفيفة، باتت في السنوات الأخيرة بمثابة غرفة مراقبة لظواهر اجتماعية تنمو بين الظلال. كل شيء قابل لأن يتحول إلى محتوى، وكل محتوى قابل لأن يتحول إلى ملف. وهكذا يجد شخص ما نفسه في لمح البصر ينتقل من “دويتو” مع متابع إلى مواجهة مع قاضي التحقيق.

والمضحك المبكي أن كثيرًا من هؤلاء “المؤثرين” الذين يقضون وقتًا طويلاً في تعليم الناس كيف يأكلون، يلبسون، يرقصون، أو “يعيشون حياتهم”، لم ينتبهوا إلى ضرورة تعلم أبجديات بسيطة مثل احترام القانون أو تذكّر أن شهرة الهاتف لا تعني حصانة الواقع.

منصّات التواصل… هل نحتاج رخصة سياقة رقمية؟

القضية، رغم خطورتها، تفتح بابًا واسعًا للسخرية من واقع أصبحت فيه الشهرة متاحة سريعًا، لكن السقوط متاحًا بشكل أسرع. وربما آن الأوان لاقتراح “رخصة سياقة المؤثرين”، اختبار بسيط حول الأخلاق، الحدود، القوانين، ومسافة الأمان بين الإبداع والانحراف. لأن بعض “المحتوى” لا يمكن، بأي حال، تصنيفه إلا في خانة الأدلة وليس الترفيه.

بين القضاء والرأي العام… فصل جديد من مسلسل المؤثرين

وبينما تتواصل التحقيقات في هذه القضية المثيرة، يبقى الواقع على حاله، الأمر اليوم لم يعد يتعلق فقط بمؤثر خرج عن النص، بل ببحث عميق في ظاهرة اجتماعية تكبر كلما صغر حجم الشاشة. القضاء يتكفل بالملف، والرأي العام يتكفل بالتعليقات، والمنصات تتكفل بنشر كل شيء، ولو كان ذلك على حساب سمعة المجتمع.

وفي انتظار الحكم النهائي… سيظل “التيكتوكر مولينيكس” عنوانًا جديدًا يضاف إلى القائمة المتزايدة لأولئك الذين خلطوا ، بشكل خطير ، بين حرية التعبير وحرية ارتكاب الأخطاء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com