في عالم الدبلوماسية، حيث تُصاغ القرارات ببرودة لغوية تشبه جليد القطب الشمالي، نجحت الجزائر في إنجاز استثنائي، تحويل مصطلح بسيط مثل «الأطراف» إلى أزمة ترجمة دولية، وتعطيل نشر قرار مجلس الأمن رقم 2797 لمدة 24 يوماً… فقط لأن كلمة أربعة أحرف أزعجتها!
الأمانة العامة للأمم المتحدة نشرت أخيراً النص الرسمي للقرار التاريخي المتعلق بالصحراء المغربية، واضعة حداً لماراثون عبثي قادته الجزائر لتغيير كلمة لا تغيّر شيئاً… إلا أنها تفضح الحقيقة التي تهرب منها منذ عقود: الجزائر طرفٌ رئيسي في النزاع، شئت أم أبت.
عقدة «الأطراف»… أم عقدة الحقيقة؟
بدأت الملهاة حين اعترضت الجزائر على الترجمة العربية للمصطلح الوارد في الوثيقة الموزعة من قبل حامل القلم الأمريكي. أرادت استبدال «الأطراف» بـ«الطرفين» وكأنها تحذف نفسها بلمسة سحرية من نصّ أممي. لكن الأمانة العامة لم تكن مستعدة للعب لعبة الاختفاء هذه، فتمسّكت بالصيغة التي تعكس الواقع السياسي: هناك أربعة أطراف معنية، والجزائر ليست متفرجاً في الصفوف الخلفية.
النزعة التدخلية الجزائرية في عمل مجلس الأمن أدت إلى تأجيل النشر الرسمي 24 يوماً كاملة—24 يوماً من التكتم، التساؤلات، الضجة الإعلامية، ومحاولات بائسة لشراء الوقت. ثلاثة أسابيع ونصف من تعطيل العالم فقط لأن دولةً لا تريد أن ترى اسمها في خانة «الأطراف»!
قرار 2797: نهاية المسرحية
بعد جهود مضنية من الدبلوماسية الجزائرية لإعادة صياغة الواقع، أصدر مجلس الأمن النص في ست لغات رسمية، واضعاً نهاية للفصل الكوميدي. النسخة المنشورة كانت واضحة كالشمس:
الأطراف ، لا «الطرفين»، ولا «طرف إلا واحد»، ولا «الطرف المتخيَّل».
وبهذا تُكرَّس الأطراف الأربعة الفاعلة في العملية السياسية: المغرب، الجزائر، موريتانيا، و«البوليساريو»، كما جرى تحديدها منذ سنوات.
القرار الآن موجود على موقع الأمم المتحدة، بأريحية كاملة، يعترف بالواقع الذي حاولت الجزائر التملّص منه، هي طرف أساسي في النزاع، ومسؤولة عن تأجيج هذا الملف منذ بدايته.
الشفافية تهزم التحايل
صدور النسخة الرسمية وضع حداً نهائياً للغبار اللغوي الذي حاولت الجزائر نثره لتغيير الإطار السياسي الذي حدده مجلس الأمن. فالقرار لا يترك مجالاً للتأويل أو لابتكار «ترجمة دبلوماسية بديلة».
المسرحية انتهت، والستار سقط، واللغة الأممية قالت كلمتها:
الجزائر طرف، لا مهرب، ولا “ترجمة” قادرة على محو هذا الواقع.
وعلى الرغم من محاولة إقحام الأمم المتحدة في نزاع نحوي بالأساس، إلا أن مجلس الأمن أعاد التذكير بحقيقة بسيطة: القرارات الدولية تُكتب استناداً إلى الوقائع، لا إلى الحساسية اللغوية ولا إلى أحلام المحو السياسي.
وهكذا، بينما حاولت الجزائر تغيير كلمة، غيّرت الأمم المتحدة المشهد بأكمله… لكن ليس لصالحها.