المغرب ورهانات الشرق الأوسط: قراءة في مقاربة الملك محمد السادس لإعادة بناء مسار السلام الفلسطيني–الإسرائيلي

بوشعيب البازي

في لحظة إقليمية مشحونة ومحكومة بتوازنات هشة، أعاد العاهل المغربي الملك محمد السادس تأكيد ثوابت الموقف المغربي من القضية الفلسطينية، مجدِّداً التمسك بخيار حل الدولتين باعتباره الإطار الوحيد القادر على إعادة الاستقرار إلى الشرق الأوسط ووقف دوامة الانفجار المستمر. الرسالة الملكية الموجّهة إلى رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، كولي سيك، لم تكن فقط تذكيراً بالمواقف التاريخية للمغرب، بل جاءت كوثيقة سياسية تضبط بوضوح شروط إعادة إطلاق مسار سلام حقيقي بعد توقف الحرب في غزة.

ضوابط واضحة في مرحلة ضبابية

حدّد الملك محمد السادس ثلاثة مرتكزات مركزية لإحياء العملية السياسية:

  1. الالتزام الصارم بحل الدولتين كقاعدة تفاوضية لا تقبل التأويل.
  2. تحديد معايير دقيقة وأفق زمني واضح لأي مبادرة سياسية، بعيداً عن تكتيكات “إدارة الأزمة” التي حكمت السنوات الأخيرة.
  3. تقوية السلطة الفلسطينية بدل تهميشها، وإسناد جهود المصالحة الوطنية تحت مظلة منظمة التحرير.

هذه الضوابط، بحسب مراقبين، تعكس تمايزاً متقدماً في الرؤية المغربية، لأنها ترفض الانجرار خلف التحولات السياسية أو العسكرية التي تحاول فرض مقاربات جديدة تتجاوز الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. المغرب، وفق هذا التصور، لا يساير التطورات من موقع ردّ الفعل، بل يذكّر بأن الأساس الصلب لأي استقرار هو احترام الاتفاقيات السابقة والشرعية الدولية، لا المجاملة أو البحث عن نقاط وسط تُرضي إسرائيل على حساب القانون الدولي.

دبلوماسية مزدوجة: حماية القدس والعمل الميداني

بصفته رئيس لجنة القدس، أوضح الملك محمد السادس أن المغرب يمزج بين التحرك الدبلوماسي وبين الاشتغال الميداني عبر وكالة بيت مال القدس الشريف. هذه المقاربة تمنح الرباط موقعاً خاصاً، فهي ليست فقط وسيطاً سياسياً، بل فاعلاً على الأرض من خلال مشاريع تحمي المدينة المقدسة من أي خطوات أحادية قد تفجر صراعاً دينياً واسعاً.

وحذّر العاهل المغربي من أن الإجراءات الاستفزازية في القدس والضفة الغربية تهدد “الأساس المادي لحل الدولتين”، في وقت يصعد فيه التوتر بفعل الاستيطان واعتداءات المستوطنين، التي تكشف—برأي مراقبين—أن الأزمة لم تعد فقط سياسية، بل باتت معركة يومية على الأرض.

وقف إطلاق النار: لحظة يمكن أن تُصنع فيها السياسة

ورحّب الملك باتفاق وقف إطلاق النار في غزة بعد حرب دامية استمرت عامين، منوهاً بالجهود الأميركية، وخاصة الدور “الحاسم” للرئيس الأميركي دونالد ترامب في التوصل إليه، إلى جانب وساطة أطراف إقليمية ودولية متعددة.

الرباط، وفق الرسالة، مستعدة للمساهمة في مختلف مراحل تنفيذ الاتفاق، معتبرة أن وقف “آلة التقتيل” ليس سوى الخطوة الأولى نحو مسار سياسي أكثر عمقاً.

الملك دعا إلى الحفاظ على التعبئة الدولية لضمان احترام الالتزامات، وإلى استثمار اللحظة الحالية لإعادة بناء المسار السياسي على أسس جديدة، لكن دون التفريط في المرجعيات الأساسية، وفي مقدمتها وحدة الضفة الغربية وغزة تحت السلطة الوطنية الفلسطينية.

المغرب.. طرف موثوق في معادلة معقدة

نبيل الأندلوسي، رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، يرى أن الرسالة الملكية تعكس مقاربة مغربية متكاملة تنطلق من دعم ثابت لحقوق الشعب الفلسطيني ورفض أي حلول مؤقتة أو مبتورة.

ويؤكد أن الملك شدّد على أن أي مسار سياسي يجب أن يكون مؤطراً بأفق زمني محدد ومعايير مضبوطة، وأن المغرب لا يراهن على “إدارة الأزمة”، بل على صناعة سلام دائم يعيد الاستقرار إلى المنطقة.

هذا الدور يعزِّز، بحسب الأندلوسي، الثقة الدولية في الدبلوماسية المغربية، التي تحرص على التوازن بين التحرك السياسي والعمل التنموي المباشر لفائدة الفلسطينيين.

مساعدات ميدانية ورسائل سياسية على الأرض

ذكّر الملك محمد السادس بأن المغرب أرسل منذ أكتوبر 2023 خمس دفعات من المساعدات الإنسانية إلى غزة، آخرها جسر جوي حمل 300 طن عبر مسار بري غير مسبوق. كما عبّر عن قلقه من التدهور في الضفة الغربية نتيجة التوسع الاستيطاني.

وتثمّن شخصيات فلسطينية هذا الدور، إذ قال أحمد سعيد التميمي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إن دعم المغرب ليس ظرفياً ولا موسمياً، بل “نابع من قناعة راسخة بأن فلسطين ليست قضية شعب فقط، بل قضية كرامة أمة”.

أما البرلمان العربي فقد جدد، في اجتماعه بالقاهرة، الإشادة بالدور المتواصل للملك محمد السادس في حماية القدس ودعم صمود أهلها، من خلال عمل وكالة بيت مال القدس الشريف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com