وزير الاتصال المغربي يضع حدوداً للانزلاقات الأخلاقية… وتسريبات المهداوي تفجّر نقاشاً وطنياً حول مستقبل تنظيم الصحافة

في أول موقف رسمي بعد الضجة الواسعة التي خلّفتها التسريبات المنسوبة إلى اجتماع داخلي للجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية، اختار وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد المهدي بنسعيد الخروج عن صمته، واضعاً سقفاً واضحاً لرفض كل الممارسات التي “تناقض الأخلاق التدبيرية”. خطوة وُصفت بأنها بداية تهدئة، لكنها لا تزال – وفق مهنيين – “ناقصة التفاصيل” في ظل اتساع الأسئلة حول مستقبل تدبير قطاع الصحافة بالمغرب.

شهدت الجلسة الأسبوعية بمجلس النواب يوم 24 نوفمبر لحظة سياسية لافتة، حين وجّه نواب من المعارضة أسئلتهم للوزير حول تسجيلات بثها الصحفي حميد المهداوي على قناته في يوتيوب، تظهر نقاشات داخل اللجنة المؤقتة المكلفة بتسيير شؤون قطاع الصحافة، تخللتها – حسب مضمون التسريبات – عبارات تمسّ بالمهنية، واتهامات بوجود “توجيهات خارجية” و“رغبة في الانتقام” من صحفيين بعينهم، بينهم المهداوي نفسه.

بنبرة حاسمة، قال الوزير بنسعيد: “نرفض كل ما يناقض الأخلاق التدبيرية، وأولويتنا هي تقوية المؤسسات في إطار المسار الديمقراطي الذي يعيشه قطاع الصحافة”. لكنها رسالة، رغم قوتها الرمزية، لم تتضمن أي إعلان صريح عن فتح تحقيق، ما دفع النائب عبد الصمد حيكر إلى توجيه سؤال مباشر: “هل ستفتحون تحقيقاً في ما ورد في التسجيلات؟”. سؤال ظلّ دون جواب واضح.

مطالب بالتحقيق… وغضب مهني من “مجزرة أخلاقية”

التسريبات فجّرت عاصفة من ردود الفعل داخل الجسم الإعلامي. النقابة الوطنية للصحافة المغربية تحدثت عن “أزمة عميقة في التمثيلية والأخلاق المهنية”، بينما وصفت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف ما جرى بأنه “مجزرة أخلاقية” تستدعي تدخل الدولة لوقف ما اعتبرته “سطواً على قطاع الصحافة”.

إلى جانب ذلك، شددت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان على ضرورة “ترتيب الجزاءات المناسبة إذا ثبتت صحة التسجيلات”، داعية إلى إنهاء عمل اللجنة المؤقتة. كما دخل حزب التقدم والاشتراكية على الخط، مبرزا أن مضمون الفيديوهات “يمس الثقة في القطاع وصورة البلاد الحقوقية”.

اللجنة المؤقتة ترد: التسجيلات مفبركة… والمهداوي يضلل الرأي العام

في مقابل سيل الانتقادات، أصدرت اللجنة المؤقتة بلاغاً تحدثت فيه عن “مقاطع مفبركة ومحرفة”، واتهمت المهداوي بـ“انتقاء أجزاء منقوصة” للإساءة لأعضائها، معلنة اللجوء إلى القضاء. غير أن هذا الرد زاد – وفق مهنيين – من حدة الجدل، إذ اعتُبر “هروباً إلى الأمام” بدل تقديم توضيحات تفصيلية للرأي العام.

لحظة اختبار للمسار الديمقراطي في القطاع

ترى أوساط إعلامية أن تصريحات الوزير بنسعيد تحمل إشارة سياسية مهمة: الحكومة ترغب في وضع مسافة مع أي تجاوزات محتملة داخل اللجنة المؤقتة، لكنها في الوقت نفسه حريصة على عدم الانجرار إلى مواجهة مباشرة قبل التحقق من الوقائع.

الإعلامي يونس مسكين اعتبر ما حدث “ضجّة كبيرة تهدد مصداقية القطاع”، مشدداً على أن الأزمة تكشف خللاً بنيوياً في طريقة تدبير مؤسسات الصحافة بعد حلّ المجلس الوطني للصحافة وتشكيل لجنة مؤقتة مكانه.

هل تمهّد التسريبات لإصلاح أوسع؟

في الوقت الذي يؤكد فيه الوزير أن الهدف هو “تقوية المؤسسات”، تبرز أسئلة حول قدرة الحكومة على تحويل الأزمة الحالية إلى فرصة لإعادة بناء منظومة أخلاقيات المهنة على أسس متينة وشفافة.

يرى محللون أن مستقبل هذه القضية سيتحدد وفق ثلاث عناصر أساسية:

  1. حجم الخطوات العملية التي ستتخذها الوزارة سواء بفتح تحقيق أو بإعادة تقييم صلاحيات اللجنة المؤقتة.
  2. ردّ فعل القضاء في حال تقدمت اللجنة بدعاوى ضد المهداوي أو غيره.
  3. مدى استعداد الحكومة للذهاب نحو إصلاح هيكلي يعيد الثقة لقطاع يعيش منذ سنوات مرحلة انتقالية معقدة.

خطوة أولى… لكن الطريق لا يزال طويلاً

يشكل موقف الوزير بنسعيد أول لبنة في معالجة أزمة تعصف بالقطاع، لكنه – كما يقول متابعون – “لا يكفي لطمأنة المهنيين ولا لتهدئة الشارع الإعلامي”. ذلك أن أصل الإشكال يتجاوز واقعة تسريب إلى سؤال أكبر: كيف يمكن إدارة قطاع حيوي مثل الإعلام بآليات تحصّنه من الأهواء السياسية والانزلاقات الأخلاقية؟

وإلى أن تُقدّم الحكومة إجابات واضحة، سيظل هذا الملف مفتوحاً، يعمّق النقاش حول مستقبل الصحافة المغربية بين الحاجة إلى تنظيم صارم، والحفاظ على حرية التعبير كإحدى ركائز المسار الديمقراطي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com