عودة ملف ترسيم الحدود البحرية المغربية الإسبانية إلى الواجهة: رؤية بحرية تعيد تشكيل المشهد الدبلوماسي
بوشعيب البازي
عاد ملف ترسيم الحدود البحرية بين المغرب وإسبانيا إلى دائرة الاهتمام من جديد، ليس باعتباره إجراءً تقنياً أو نزاعاً حدودياً تقليدياً، بل لأنه جزء أساسي من الرؤية البحرية الشاملة التي تبناها المغرب خلال العقود الأخيرة. فالمملكة، التي أعادت صياغة علاقتها بمجالها البحري على أسس قانونية واستراتيجية متينة، تعتبر أن حسم هذا الملف يندرج ضمن مسار طويل يهدف إلى تأمين حقوقها وتعزيز مكانتها في فضاءي الأطلسي والبحر المتوسط.
ينطلق المغرب في مقاربته من مرجعيات قانونية واضحة، أبرزها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، إضافة إلى مجموعة من القوانين الوطنية التي أرست منذ سبعينيات القرن الماضي الأسس التنظيمية لمياهه الإقليمية ومنطقته الاقتصادية الخالصة وجرفه القاري. هذا الأساس القانوني يعكس إصرار الرباط على التعامل مع الملف من موقع السيادة والمسؤولية، وبما يتماشى مع متطلبات القانون الدولي ومع رؤيتها الاستراتيجية لمستقبل المجال البحري.
أما على مستوى الرهانات، فإن النقاش حول ترسيم الحدود يتجاوز تحديد الخطوط الجغرافية، ليشمل فرص التعاون في استغلال الثروات البحرية وتطوير الاقتصاد الأزرق والبحث العلمي وحماية البيئة. كما يكتسي الملف بعداً جيواستراتيجياً مهماً، خاصة في ظل الاهتمام الدولي المتزايد بالمناطق الغنية بالمعادن النادرة والموارد البحرية العميقة، وهو ما يجعل التنسيق المغربي الإسباني ضرورة ملحة لضمان الاستغلال السليم لهذه الإمكانات.
ويأتي إحياء هذا الملف في سياق دبلوماسي جديد بدأ منذ تطبيع العلاقات بين الرباط ومدريد. فبدلاً من التوتر الذي كان يطبع المرحلة السابقة، أصبحت لغة الحوار المباشر خياراً استراتيجياً للطرفين، في ظل قناعة مشتركة بأن البحر يجب أن يكون فضاءً للتعاون والتكامل وليس مصدراً للخلاف. وفي هذا الإطار، أدرج البلدان ملف الترسيم ضمن خريطة الطريق الثنائية، في إشارة واضحة إلى الإرادة السياسية لتسوية هذا الملف بشكل نهائي.
تشير المعطيات المتاحة إلى أن المفاوضات سجلت تقدماً ملموساً، ما يعزز احتمالات التوصل إلى اتفاق في المستقبل القريب. اتفاق من هذا النوع لن يكون خطوة تقنية فحسب، بل سيشكل محطة جديدة في العلاقات المغربية الإسبانية، وسيؤسس لمرحلة أكثر استقراراً في غرب المتوسط، ويتيح إطلاق مشاريع اقتصادية وتنموية كبرى، قائمة على الوضوح القانوني والتفاهم الاستراتيجي.
إن عودة هذا الملف إلى الواجهة تؤكد أن المغرب يسير بثبات نحو ترسيخ موقعه كقوة بحرية إقليمية، وكدولة قادرة على تحويل التحديات الجغرافية إلى روافع للتعاون والتنمية. وبذلك يتحول البحر من خط حدودي جامد إلى فضاء واسع للتكامل والشراكة بين ضفتي غرب المتوسط.