الاتحاد الأوروبي يحسم الموقف… وبوليساريو تدخل زمن الاحتضار السياسي

بقلم - بوشعيب البازي

لم يكن قرار المفوضية الأوروبية بتجديد الاتفاق التجاري مع المغرب، متضمّناً الأقاليم الجنوبية، حدثاً عابراً في مسار العلاقات الأوروبية–المغربية. لقد كان، في تقديري كصحفي تابع هذا الملف لسنوات، لحظة مفصلية أسقطت الأقنعة وكشفت ميزان القوة الحقيقي،  أوروبا براغماتية تتحرك وفق مصالح واضحة، وبوليساريو غارقة في خطاب ماضوي لم يعد يجد له مكاناً في لغة العالم الجديد.

الجبهة سارعت، كعادتها، إلى اتهام المفوضية بـ”الانحياز”، لكن ما تصفه بالانحياز ليس سوى انكشاف الحقيقة التي حاولت الهروب منها، أن مشروعها الانفصالي لم يعد يحظى بأي اعتبار داخل مؤسسات القرار الأوروبية، وأن الزمن السياسي تغيّر بينما بقي خطابها جامداً، يكرر نفسه كما لو أنه صوت صادر من عقد السبعينيات.

تصويت البرلمان الأوروبي… نهاية مرحلة

البرلمان الأوروبي، من خلال إسقاطه محاولات تعديل صفة المنشأ والتصويت بـ359 صوتاً لصالح المقاربة التي تبنتها المفوضية، أعلن نهاية مرحلة. مرحلة كانت فيها الجبهة تراهن على ثغرات قانونية وعلى نفوذ مجموعات ضغط تعمل في الظل.

لقد انتهى ذلك الزمن، وأوروبا اليوم تتحرك بمنطق المصلحة المشتركة، لا بمنطق العواطف أو المزايدات السياسية. وهذا ما أدركته بوليساريو بتأخر كبير، فأطلقت خطاباً انفعالياً لا يشبه سوى العجز.

وأقولها بوضوح ، من يصرّ على قراءة التحولات الأوروبية بعقلية السبعينيات، سيصحو كل مرة على خيبة جديدة.

من الاعتراض إلى الهذيان

اللافت في ردود فعل الجبهة ، وأقول هذا عن تجربة في متابعة المواقف الصادرة من تندوف ، هو الانتقال السريع من لغة الاعتراض إلى لغة الهذيان السياسي. لم يعد الخطاب تحذيراً أو احتجاجاً، بل فوضى في التعبير، تكشف بوضوح حجم الارتباك الداخلي.

تسارع الأحداث لم يكن في صالح الجبهة:

  • مجلس الأمن حسم المبدأ: الحل الواقعي هو الحكم الذاتي.
  • الأمم المتحدة وضعت الجزائر في موقع الطرف المباشر، لا “البلد المجاور”.
  • أوروبا أنهت آخر أوهام النفوذ الانفصالي داخل مؤسساتها.

ومع كل هذه التحولات، ما الذي بقي للجبهة؟ بيانات غاضبة ومفردات فقدت وزنها. وهذا، بحد ذاته، يعكس انتقالها من خطاب سياسي إلى خطاب صراخي لا يحمل أي أثر فعلي.

الدبلوماسية المغربية… لحظة قوة غير مسبوقة

الدبلوماسية المغربية تعيش اليوم واحدة من لحظاتها الذهبية. ليس لأن أوروبا “منحازة”، كما تدّعي الجبهة، بل لأنها وجدت في المغرب شريكاً موثوقاً واستراتيجياً، في زمن تتحكم فيه الطاقة والأمن والهجرة والاستثمار الأخضر في اتجاهات السياسة الدولية.

وفي رأيي، فإن أوروبا لم تغيّر موقفها من أجل عيون المغرب، بل لأنها أدركت أن الجبهة لم تعد أكثر من مشروع متآكل، وأن استمرار اللعب بورقة الانفصال ليس سوى عبء سياسي لا طائل منه.

لقد بنى المغرب شراكات، واستثمر في الأقاليم الجنوبية، وحوّلها إلى فضاءات إنتاج وطاقة وتجارة. أوروبا لم تُقنعها الخطب، بل الأرقام والحركة والتطور فوق الأرض.

سقوط السردية الانفصالية… وانكشاف الواقع

لسنوات طويلة، غذّت بوليساريو سردية تقوم على فكرة “الفراغ” في الأقاليم الجنوبية. لكن المشاريع التنموية والبنى التحتية العملاقة – من ميناء الداخلة الأطلسي إلى مشاريع الهيدروجين الأخضر – فجّرت هذه السردية من أساسها.

المشكل الحقيقي للجبهة أنها تريد من العالم أن يصدّق خطاباً يتناقض مع الصور القادمة من العيون والداخلة.

فكيف لإعلام يعيش على مفردات “التهميش” أن يواجه واقعاً اقتصادياً يفرض نفسه على الأرض وعلى موازين القرار الدولي؟

البرلمان الأوروبي فهم هذه الصورة جيداً. ولذلك رفض تحويل مؤسساته إلى منصات للتجاذب السياسي الذي تقوده أطراف خارجية لها حساباتها القديمة.

مشروع يتقدّم… وآخر يتآكل

غضب بوليساريو ليس مجرد رد فعل، بل تعبير واضح عن أزمة وجودية تضرب عمقها. قرار المفوضية الأوروبية لم يكن خطوة تجارية فقط، بل صفعة سياسية أنهت آخر أوهام الجبهة حول قدرتها على التأثير.

وبينما يواصل المغرب تعزيز موقعه إقليمياً ودولياً، تستيقظ الجبهة على حقيقة قاسية:

مشروع الانفصال لم يعد يملك مقومات الحياة، لا سياسياً ولا دبلوماسياً.

وإني، بصفتي صحفياً مغربياً تابع هذا الملف لعقود، أرى أن ما يحدث اليوم ليس سوى بداية نهاية مرحلة… وبداية مرحلة أخرى يتقدم فيها حل الحكم الذاتي باعتباره الإطار الوحيد الذي ينسجم مع مصالح المنطقة ومع منطق العالم الجديد.

الزمن تغيّر. والمغرب فهم ذلك.

أما بوليساريو… فما زالت تصرخ في فراغ سياسي يتسع يوماً بعد يوم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com