حين يصفّق العالم… ويصمت الممثل الرسمي

بوشعيب البازي

Screenshot

إنجاز مغربي عالمي.. وامتحانٌ جديد للدبلوماسية في الرياض

في ليلة كانت الأعين فيها متجهة نحو العاصمة السعودية الرياض، احتضن حفل Gourmand World Cookbook Awards 2025 تظاهرة ثقافية دولية يتقاطع فيها الطعام، التاريخ، والهوية. هناك، صعد اسم المغرب إلى المنصة بفضل فوز الشيف أحمد معارف—ابن المملكة المقيم في بريطانيا—بجائزة “الأفضل بين الأفضل” عن كتابه Unveiling the Flavours، وهو تتويج استثنائي جعله الممثل الوحيد للقارة الإفريقية في هذه الدورة.

لكن خلف هذا الإنجاز، ظهرت فجوة واضحة: غياب السفير المغربي في السعودية، مصطفى المنصوري، الذي يشغل منصبه منذ 2014. غياب فاضح، لم يعكس فقط مشكلة لوجستية، بل مهّد لسؤال أكبر: كيف نتعامل مع لحظات النجاح حين تكون الفرصة أكبر من الأشخاص المكلّفين بتمثيل الوطن؟

الحدث: لحظة دولية مشرقة بنكهة مغربية

تميزت فعاليات الحفل بحضور دبلوماسي كثيف من آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية. وفود رسمية وقفت خلف مواطنيها الفائزين، وقدّمت كلمات تعريفية، وصوّرت لحظات الفوز، وروّجت لثقافة بلدانها أمام جمهور دولي واسع.

في مقابل هذا الزخم، ظهر الشيف المغربي وحيداً، يعتلي منصة التتويج دون دعم رسمي، رغم أن الجائزة ذات طابع ثقافي عميق يُعدّ فرصة ذهبية للدول لإبراز قوتها الناعمة.

وفي حالة المغرب، جاء هذا الفوز ليؤكد أن هناك طاقات مغربية تضيء في الخارج… حتى ولو في غياب المظلة الدبلوماسية.

الغياب: تعثر بروتوكولي أم خلل في مفهوم التمثيل؟

السفير مصطفى المنصوري لم يكن غيابه وليد اللحظة. فوفق المعلومات التي تم تداولها، وُجّهت إليه مراسلة رسمية من الشيف أحمد معارف قبل أسبوعين من الحفل، تتضمن دعوة لحضور الحدث، مرفقةً بكل التفاصيل ونسخة من الكتاب.

ومع ذلك، لم يظهر السفير، ولم يوفد ممثلاً، ولم يقدّم اعتذاراً علنياً.

هذا الغياب لا يمكن قراءته فقط كخطأ بروتوكولي، بل كإخفاق في استثمار مناسبة تمنح المغرب حضوراً رمزياً قوياً في محفل دولي متخصص.

إن التمثيل الدبلوماسي ليس مهمة مكتبية، بل وظيفة مرتبطة بمتابعة التفاصيل الصغيرة التي تصنع الصورة الكبيرة. وفي عالم تتحرك فيه الدول لتعزيز صورتها عبر أي منفذ ثقافي أو اقتصادي أو فني، يصبح الغياب في حد ذاته موقفاً يطرح أكثر مما يجيب.

الدلالات: ما الذي كشفه هذا المشهد؟

أولاً، كشف فوز كتاب مغربي بجائزة عالمية أن الإبداع المغربي في الخارج مستمر، ويحقق ما قد لا تنجح المؤسسات الرسمية في تحقيقه أحياناً.

ثانياً، أظهر غياب السفير أن بعض ممارسات العمل الدبلوماسي لا تزال تحتاج إلى تحديث، خصوصاً في جانب التفاعل مع فعاليات غير سياسية، لكنها عالية التأثير على صورة البلد.

ثالثاً، برزت مفارقة واضحة: بينما ترتفع وتيرة الحضور المغربي في الملفات الجيوسياسية والاقتصادية الكبرى، يتعثر الأداء في مناسبات ثقافية كان يمكن أن تمنح صورة أكثر دفئاً وإنسانية عن المغرب.

البعد الثقافي: الجوائز التي تصنع “القوة الناعمة”

لا تُقاس قوة الدول فقط بمواقفها السياسية أو مشاريعها الاقتصادية، بل أيضاً بقدرتها على تقديم نفسها ثقافياً.

وكتاب يروي حكاية مطبخ، أو يحتفي بذاكرة الطعام، قد يخلق أثراً أعمق من خطاب سياسي جامد.

لقد استثمرت دول عديدة حضورها الدبلوماسي في تلك الليلة لترويج رموزها الغذائية، لأن الطعام لغة عالمية تتجاوز الحدود وتخاطب الشعوب مباشرة.

وكان المغرب، صاحب واحد من أغنى المطابخ في العالم، يستحق حضوراً يليق بتراثه الذي يُدرّس ويُحتفى به دولياً.

إنجاز بلا حاضنة… لكنه يفتح الباب لأسئلة ضرورية

يبقى إنجاز الشيف أحمد معارف نقطة ضوء مهمة، تعزز الصورة الإيجابية للمغرب وثقافته.

لكن في المقابل، جاء غياب السفير المنصوري ليكشف ثغرة واضحة في متابعة الأحداث التي تعني الهوية الثقافية للبلد.

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم ليس حول أهمية الفوز—فهو واضح ومشرّف—بل حول جاهزية المؤسسات الرسمية لمواكبة مثل هذه اللحظات.

هل نملك نموذجاً دبلوماسياً مرناً يستثمر في القوة الناعمة كما يستثمر في الملفات السياسية؟

وهل يمكن أن تصبح هذه الحادثة فرصة لإعادة تقييم طريقة حضور المغرب في المحافل الدولية غير التقليدية؟

أسئلة تستحق النقاش، لأن صورة الدول اليوم تُبنى بقدر ما يتحقق من إنجازات… وبقدر ما يُحسن ممثلوها التقاط هذه الإنجازات وتحويلها إلى قوة مستدامة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com