2025: سنة مغربية بامتياز… عام ترسّخ فيه الانتصار وتغيّر فيه ميزان التاريخ

بوشعيب البازي

لم تكن سنة 2025 سنة عادية في مسار المملكة المغربية. فهي لم تشكّل فقط محطة دبلوماسية جديدة في ملف الصحراء، بل كانت سنة وُضِع فيها الحدّ لخمسة عقود من حرب الاستنزاف التي واجهها المغرب بصبر استراتيجي، وبثبات دولة تعتبر أن وحدتها الترابية ليست ملفاً سياسياً، بل جوهر وعيها الوطني. لقد كانت 2025 سنة “مغربية” بامتياز، لأنها حملت اعترافاً دولياً غير مسبوق بواقع رسّخه الزمن وكرّسته الجغرافيا وصنعت تفاصيله الإرادة الوطنية.

حرب استنزاف… وسؤال اعتراف مؤجَّل

طوال نصف قرن، ظلّ سؤال واحد معلّقاً: لماذا أصرت المؤسسة الحاكمة في الجزائر على خوض حرب لم تكن تخدم سوى الفوضى الإقليمية وتغذية الانقسامات؟ لماذا لم تستطع الاعتراف بأن استخدام “بوليساريو” لم يكن سوى واجهة مكشوفة لصراع سياسي مع المغرب سرعان ما ارتدّ سلباً على الداخل الجزائري نفسه؟

الأسئلة الكثيرة التي يطرحها هذا التاريخ المتشابك تكشف حقيقة ثابتة: المغرب لم يخض حرباً عدائية، بل خاض معركة صمود. معركة دافع فيها عن حق تاريخي وقضية وطنية تجمع كل مواطن مغربي حولها، من طنجة إلى الكويرة.

القرار 2797: لحظة حسم دولية

تجلّى هذا الانتصار بصورة جلية في قرار مجلس الأمن رقم 2797 الصادر في 31 أكتوبر 2025. قرار وصفته العديد من الدوائر الدبلوماسية العالمية بأنه “منعطف” في تاريخ النزاع المفتعل. فقد أكّد بشكل صريح مغربية الصحراء، واعتبر مبادرة الحكم الذاتي، التي قدّمها الملك محمد السادس سنة 2007، “أساساً” لأي عملية تفاوضية.

أهمية القرار لم تكمن فقط في مضمونه، بل في الإجماع الضمني حوله. روسيا والصين، بلدان لا تتحركان خارج حساب المصالح، امتنعتا عن استخدام الفيتو. وهو ما يعكس شبكة العلاقات الدولية الواسعة التي نسجها المغرب خلال العقدين الماضيين، والقائمة على تبادل المنافع والاستقرار.

الخليج… دعم ثابت ورؤية موحّدة

منذ البداية، تبنّت دول مجلس التعاون الخليجي موقفاً واضحاً من مغربية الصحراء. وفي قمة المنامة 2025، جاء البيان الختامي ليؤكّد الترابط بين الأمن العربي ووحدة التراب المغربي. فقد رحّب المجلس بالقرار الأممي الجديد واعتبره خطوة نحو “حل واقعي قابل للتطبيق”، كما أشاد بإعلان 31 أكتوبر يوماً وطنياً مغربياً تحت اسم “عيد الوحدة”.

هذا الموقف لم يكن مجرد تضامن سياسي، بل تعبيراً عن قناعة استراتيجية: أي محاولة لضرب مغربية الصحراء كانت دائماً مدخلاً لزعزعة الأمن في منطقة الساحل وفتح المجال أمام التنظيمات الإرهابية والميليشيات العابرة للحدود، بما فيها المحسوبة على إيران مثل “حزب الله”، الذي كشفت تقارير أممية عن تدريبه عناصر من “بوليساريو” على استخدام المسيّرات في مراحل سابقة.

سياسة ثابتة… وأمن ترابي محصّن

لم يكن انتصار 2025 وليد اللحظة، بل نتيجة سياسة متماسكة بدأت بتحصين التراب الوطني عبر سلسلة الجدران الدفاعية، وتواصلت بتثبيت نموذج تنموي جديد في الأقاليم الجنوبية. فمنذ “المسيرة الخضراء” عام 1975، اعتمد المغرب استراتيجية تقوم على البناء بقدر ما تقوم على الدفاع، وعلى تطوير البنية التحتية بقدر ما تستهدف حماية الحدود.

هذا النهج رسّخه القرار الأممي الجديد، لكنه أيضاً عزّز مكانة المغرب كقوة إقليمية صاعدة تسعى دول كبرى للتعاون معها.

اختراقات إفريقية… وتحول المغرب إلى محور أطلسي

على الصعيد الجيوسياسي، نجح المغرب خلال العقد الأخير في إعادة تشكيل علاقاته الإفريقية، ليس فقط مع الدول الفرنكفونية، بل أيضاً مع الدول الناطقة بالإنجليزية. استثماراته في القارة لم تكن تجارية فحسب، بل شملت بناء مدارس ومستشفيات ومنشآت طاقية ومشاريع زراعية. ولعلّ أبرزها توسّع مشاريع الأسمدة اعتماداً على الفوسفات المغربي، ومبادرات نشر الإسلام المعتدل كتقليد روحي يحظى باحترام واسع.

يبرز ميناء الداخلة الجديد كأحد أبرز معالم هذه الرؤية. فالميناء يتحوّل تدريجياً إلى بوابة أطلسية لربط إفريقيا بالقارة الأميركية. كما أنّ مشروع خط أنابيب الغاز الضخم المنطلق من نيجيريا، والذي يعبر عشرات الدول، يؤسس لواقع طاقي جديد على الساحة الإفريقية والمغاربية.

سرّ الانتصار: علاقة العرش بالشعب

ما الذي جعل المغرب ينتصر في معركة دامت نصف قرن؟ الجواب يكمن في جوهر نظامه السياسي: الثقة. الثقة بين العرش والشعب، وهي علاقة قلّ نظيرها في المنطقة. هذه الثقة جعلت المغرب قادراً على الدفاع عن صحرائه وفي الوقت ذاته يواصل عملية البناء الداخلي دون توقف.

فالمملكة تمتلك اليوم إحدى أكثر البنى التحتية تطوراً في إفريقيا، خصوصاً شبكة السكك الحديدية والطرق السريعة. وعلى الرغم من التحديات، من الجفاف إلى الهزات الأرضية، لا يتردد المغرب في مناقشة مشاكله علانية، سواء تعلق الأمر بقطاع التعليم أو الصحة أو التنمية الاجتماعية. هذه المصارحة، بعيداً عن الغوغائية، مكّنته من الاستمرار في مسار التحديث بثبات وهدوء.

2025… سنة انتصار ورؤية ممتدة

سنة 2025 لم تكن نهاية مسار، بل تتويجاً لمرحلة وبداية لأخرى. فقد أكدت للعالم أنّ المغرب بلد يمتلك رؤية واضحة تقودها إرادة ملكية تضع الإنسان المغربي في صلب كل مشروع تنموي. رؤية تقوم على بناء الدولة الحديثة، وتعزيز الاستقرار، وصيانة الوحدة الترابية باعتبارها شرطاً لأي نهضة مستقبلية.

لقد كانت 2025 سنة مغربية… لأنها كانت سنة الحقيقة. سنة اعترف فيها العالم بما عرفه المغاربة دائماً: الصحراء مغربية، والمغرب جارٌ لا يمكن عزله أو تجاهل دوره، ودولة تعرف كيف تبني قوتها بهدوء، بعيداً عن ضجيج المزايدات.

سنة مغربية… بامتياز.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com