أزمة الصيصان… أو كيف يواصل النظام الجزائري تربية الأزمات بدل الدواجن

بوشعيب البازي

Screenshot

لا يحتاج الجزائريون هذه الأيام إلى نشرات اقتصادية لفهم الوضع. يكفي أن يشاهدوا الفيديوهات المتداولة: آلاف الصيصان مرمية في القمامة وعلى أطراف الطرقات، كأن البلد قرّر فجأة إعلان الحرب على الدجاج. مشاهد صادمة، نعم، لكنها تعكس حقيقة أبشع: قطاع الدواجن في الجزائر ينهار أمام أعين سلطة منشغلة بتغذية خطابها أكثر من تغذية مواطنيها.

من صيصان حية إلى اقتصاد ميت

ما تراه العدسات ليس سوى نتيجة مباشرة لفوضى متراكمة. مربون صغار يتساقطون واحداً تلو الآخر من سلسلة الإنتاج، بعدما أصبحت الأعلاف أغلى من اللحم نفسه. فالدورة الإنتاجية التي كانت سابقاً تجارة مربحة، صارت اليوم مقامرة خاسرة. والنتيجة؟ معامل التفريخ تمتلئ بالصيصان دون مشترين، فيتخلص منها البعض كما يتخلص النظام من مشاريعه الفاشلة: في القمامة.

هذا السلوك الوحشي ليس فعلاً فردياً، بل علامة انهيار شامل في قطاع يعتمد في الأصل على استيراد أعلاف بالدولار والأورو. ومع دينار يتهاوى أمام العملات الأجنبية كما تتهاوى وعود المسؤولين، ارتفعت كلفة الإنتاج إلى مستوى جعل المربي الصغير يرى في رمي الصوص حلاً اقتصادياً… ولو بدا للجمهور عملاً لا إنسانياً.

رمضان على الأبواب… والأسعار تضع منقارها على جيب المواطن

المختصون يدقون ناقوس الخطر: الإنتاج يتراجع، والمربين يغادرون، والأسعار في طريقها إلى الجنون. ومع اقتراب شهر رمضان، الفترة الذهبية لاستهلاك اللحوم البيضاء، ستكون السوق على موعد مع ارتفاعات لا ترحم.

فادي تميم، منسق منظمة حماية المستهلك، قالها بكل وضوح: ما يحدث الآن مؤشر قاتم على غلاء غير مسبوق. الصوص الذي يجب أن يدخل دورة التربية، يجد الطريق مغلقاً أمامه لأن آلاف المربين أفلسوا. والأسوأ؟ بعض غير المربين يحصلون على الأعلاف المدعمة، ليبيعوها في السوق السوداء بثلاثة أضعاف سعرها. هنا تتجلى عبقرية «المنظومة»: دعم رسمي يتحوّل إلى مضاربة منظمة.

بطاقة الفلاح… امتشاق الورقة الخضراء قبل امتلاك مزرعة

المختص الفلاحي موسى آيت الحاج لخص الباقي: الديوان الوطني لتغذية الأنعام يحاول امتصاص الصدمة، لكنه لا يتعامل إلا مع من يملكون «بطاقة فلاح»… بطاقات لا يملكها أغلب المربين الحقيقيين، بينما يملكها آخرون لا يربون سوى الأزمات. هؤلاء يستغلون الوضع لبيع الأعلاف بثمن السوق السوداء، مبرهنين مجدداً على أن الريع في الجزائر لا يضيع، بل يغيّر فقط مجاله: من النفط إلى الدجاج.

الدينار… البطل السلبي لكل الأزمات

كل الطرق في هذه الأزمة تؤدي إلى تدهور قيمة الدينار. فعندما يصل الأورو إلى 290 ديناراً والدولار إلى 250، يصبح استيراد الذرة والصويا – عماد الأعلاف – عملية انتحارية للمربين. ومع كل تراجع جديد للعملة، يتضاءل عدد من يستطيعون البقاء داخل هذه السوق التي تلتهمهم قبل أن تنتج دجاجاً.

النظام الذي لا يربي سوى الأزمات

فضيحة رمي الصيصان ليست إلا الحلقة الأخيرة من سلسلة طويلة: انهيار القدرة الشرائية، ندرة السلع، تراجع الإنتاج الفلاحي، وإغراق السوق في فوضى تنظيمية لا تنتهي. والفاعل واحد: نظام يرتجل سياساته كما يرتجل خطاباته، ويفشل في كل اختبار اقتصادي كما لو أنه يتقن الفشل أكثر من إتقانه الحكم.

إن ما يحدث اليوم ليس مجرد مشكلة في قطاع الدواجن. إنه مرآة تكشف اقتصاداً بلا رؤية، وسلطة بلا خطة، وبلداً يدفع ثمن التخبط الرسمي في كل طبق طعام. والمواطن، كالعادة، هو آخر من يأكل… وأول من يدفع.

أزمة الصيصان؟ إنها مجرد عنوان فرعي في يوميات اقتصاد يعيش في قنّ كبير… يديره نظام لا يعرف سوى «التفقيس» المستمر للأزمات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com