كأس العرب في قطر… المغرب يختبر عُمق مشروعه الكروي وسوريا تراهن على “الصلابة الذكية”

حنان الفاتحي

Screenshot

بين طموح منتخب مغربي يسعى لتأكيد مكانته كأحد أعمدة الكرة العربية، ورغبة سورية جامحة في قلب موازين التوقعات، تتجه أنظار الجماهير إلى استاد خليفة الدولي في الدوحة، حيث يخوض المنتخبان أولى مواجهات ربع نهائي كأس العرب. مواجهة لا تبدو – في ظاهرها – مجرد مباراة إقصائية، بل اختبار لمدى نضج مشروعين كرويين يمضي كل منهما في مسار مختلف تماماً.

المغرب… منتخب رديف يكشف ملامح “الأطلس الجديد”

يدخل المغرب اللقاء متسلحاً بتشكيلة رديفة أثبتت، رغم الغيابات وضغط البرنامج، أنها تمتلك القدرة على فرض نسق لعب ثابت ومستقر. ثلاث مباريات في دور المجموعات كانت كافية ليعلن “أسود الأطلس” عن أنفسهم بوصفهم أكثر المنتخبات انضباطاً، بعد فوز مهم على جزر القمر، ثم تعادل تكتيكي مع عُمان، قبل إسقاط المنتخب السعودي في الجولة الأخيرة بهدف نظيف.

هذه النتائج، وإن بدت عادية على الورق، تحمل في طياتها دلالات كبيرة:

قدرة المغرب على إدارة المباريات بوعي، وامتلاك لاعبين شباب ينسجمون بسرعة، ودفاع صلب لا يتأثر بتغييرات التشكيلة.

مدرب المنتخب، طارق السكتيوي، لم يُخفِ تعبه من الإرهاق البدني الذي دخل به اللاعبون البطولة، لكنه كان واضحاً في قوله إن المجموعة باتت “أكثر تجانساً”، وإن الغيابات تفرض تحديات تكتيكية، إلا أن الآداء العام يثبت أن المنتخب الرديف ليس بديلاً بالمعنى التقليدي، بل امتداد طبيعي لمنظومة كروية مغربية في طور النضج الكامل.

أسماء مثل كريم البركاوي، طارق تيسودالي، وليد الكرتي، إلى جانب الحارس المتألق المهدي بنعبيد، تمنح الفريق مزيجاً من الخبرة والحيوية يجعله من أبرز المرشحين للقب.

سوريا… دفاع حديدي وفعالية هجومية تفرض الاحترام

على الجانب الآخر، يدخل المنتخب السوري المباراة بأكثر من ورقة قوة، لعل أبرزها أنه لا يحمل أي ضغط، وأنه أصبح أحد مفاجآت البطولة بفضل واقعية مدربه الإسباني خوسيه لانا. فقد اعتمد “نسور قاسيون” على تماسك دفاعي صلب، وارتداد هجومي خاطف يقوده المخضرم عمر خريبين، الذي لا يزال يمثل أحد أفضل صانعي الفارق في الكرة العربية.

خريبين، الذي قدّم أداءً لافتاً في دور المجموعات، لم يُخفِ إعجابه بالتطور المغربي:

“المغرب يعيش مرحلة ازدهار كروي واضحة… واللعب أمام منتخب بهذا الإيقاع يمنحنا دافعاً إضافياً.”

ورغم الفوارق في الإمكانيات، تُجمع الأصداء داخل المعسكر السوري على أن المباراة بالنسبة لهم “فرصة لاكتساب الخبرة” بقدر ما هي محاولة لكتابة مفاجأة جديدة.

تاريخياً، تواجه المنتخبان ثلاث مرات فقط، فاز المغرب في اثنتين وسوريا في واحدة. لكن مباراة كأس العرب الحالية تحمل طابعاً مختلفاً: مواجهة بين مشروعين، أحدهما صاعد بقوة، والآخر يبحث عن استعادة الذات.

فلسطين… عندما يتحوّل المستطيل الأخضر إلى مساحة للحلم

في مباراة أخرى، يواصل المنتخب الفلسطيني كتابة واحدة من أجمل قصص البطولة، بعد وصوله لأول مرة إلى الأدوار الإقصائية. فريق “لا يصنع جلبة”، كما قال حارس المرمى رامي حمادة، لكنه صنع الكثير على أرضية الميدان:

هدف قاتل ضد قطر، تعادل مثير مع تونس، وصمود أمام سوريا.

“هذا يشبه الحلم… والآن يجب أن نستمر”، قال حمادة، الذي أصبح أحد وجوه البطولة.

بالنسبة لرفاقه، كما قال المدافع ياسر حامد، فإن اللعب “من أجل فلسطين” أكبر من مجرد منافسة:

“خلال 90 دقيقة يمكننا أن نهزم أي فريق… هدفنا إسعاد شعبنا، وخاصة أهلنا في غزة.”

لكن المهمة المقبلة ليست سهلة. فمنتخب السعودية، رغم تباين مستواه، يبقى أحد أكثر المنتخبات استقراراً وحضوراً في المنطقة.

السعودية… بين التجريب وتناقضات الأداء

يدخل “الأخضر” ربع النهائي محملاً بالأسئلة: كيف يمكن لفريق يتجاوز عمان وجزر القمر أن يسقط أمام المغرب ويتلقى أهدافاً في كل مبارياته؟

المدرب الفرنسي هيرفيه رينارد لم يُجمل كلامه بعد إهدار الحمدان ركلة الجزاء أمام المغرب، قائلاً:

“من لا يحترم كرة القدم، يخسر.”

ورغم مشاركة 22 لاعباً في دور المجموعات، ما يعطي انطباعاً عن رغبة رينارد في اختبار أكبر عدد ممكن، إلا أن الأداء ظل متقلباً، ما يجعل مواجهة فلسطين اختباراً لمدى قدرة المنتخب السعودي على العودة إلى ثباته المعروف.

بين الواقعية والطموح… ربع نهائي يعيد تشكيل خريطة البطولة

يتجه ربع نهائي كأس العرب ليكون محطة حاسمة في تحديد ملامح البطل. المغرب يدخل بثقة مشروع مستقر يتوسع، وسوريا بطموح فريق يريد صناعة المفاجأة. فلسطين تحمل قصة إنسانية وكروية ملهمة، بينما تسعى السعودية لاستعادة هيبتها الفنية.

هي مباريات لا تُحسم بالأسماء وحدها، بل بقدرة الفرق على قراءة التفاصيل الصغيرة، وضبط إيقاع اللحظات الحاسمة، والتعامل مع الضغط.

وإذا كان دور المجموعات قد كشف ملامح القوة، فإن ربع النهائي سيكشف ملامح الشخصية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com