الراية الوطنية ليست مجرد قطعة قماش تُرفع في المناسبات أو تُستعمل كخلفية في الصور والفيديوهات، بل هي رمز سيادي تختزل فيه الدولة تاريخها وشرعيتها وذاكرتها الجماعية. أي مساس بهذا الرمز، سواء عبر الاستعمال في أوضاع مخلة بالحياء أو في سياقات عبثية بحثاً عن المشاهدات أو المال، لا يمكن اعتباره حرية تعبير ولا سلوكاً فردياً معزولاً، بل إساءة مباشرة لصورة المغرب ولمعنى الانتماء الوطني. ما يثير القلق اليوم هو انتقال هذه الممارسات من الهامش إلى الفضاء الرقمي المفتوح، حيث أصبح بعض المسترزقين وصنّاع التفاهة يوظفون الراية المغربية كأداة للصدمة والاستفزاز، مستغلين غياب الوعي القانوني وسرعة انتشار المحتوى لتحقيق أرباح آنية أو شهرة زائفة، في ضرب واضح للقيم المشتركة وللحياء العام.
هذا السلوك لا يحدث في فراغ اجتماعي، بل يتغذى على ثقافة رقمية تُمجّد الإثارة وتكافئ كل ما هو صادم، ولو كان ذلك على حساب الرموز الوطنية. في عدد من الفيديوهات المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي، جرى توظيف العلم المغربي في وضعيات مهينة أو استعراضية، أحياناً مقرونة بحركات أو ممارسات تخدش الحياء العام، وأحياناً أخرى في سياق تهكمي يهدف فقط إلى جذب الانتباه. مثل هذه الأفعال لا تسيء إلى الراية فحسب، بل تعكس صورة مشوهة عن المجتمع المغربي، خاصة حين تُستهلك هذه المقاطع خارج السياق الوطني وتتحول إلى مادة للتندر أو التشويه في الخارج.
القانون المغربي لم يترك هذا المجال دون ضبط. فالمجموعة الجنائية تنص بوضوح على تجريم إهانة رموز الدولة، وفي مقدمتها العلم الوطني، سواء عبر الحرق أو التشويه أو الاستعمال المهين أو التحريض على ذلك. هذه الأفعال يعاقب عليها بالحبس والغرامة، وتتشدد العقوبة عندما ترتكب علناً أو عبر وسائل النشر والتواصل، وهو ما ينطبق بشكل مباشر على منصات التواصل الاجتماعي. كما يجرّم القانون الاستغلال غير المشروع للعلم في الإعلانات أو الأنشطة التجارية دون ترخيص، ويمنح للنيابة العامة صلاحية المتابعة بمجرد ثبوت الإساءة، حتى في غياب شكاية مباشرة، باعتبار الأمر متعلقاً بالنظام العام وبهيبة الدولة.
وقد شهد الرأي العام المغربي في السنوات الأخيرة أمثلة واضحة على تشويه الراية الوطنية، من بينها حادث إحراق العلم المغربي خلال تظاهرة في باريس أواخر سنة 2019، وهي واقعة أثارت موجة استنكار واسعة وفتحت نقاشاً حاداً حول حدود الاحتجاج السياسي ومسؤولية الجاليات المغربية في الخارج تجاه رموز بلدها. كما برزت حالات أخرى أقل تنظيماً ولكن أكثر انتشاراً رقمياً، تتعلق بأشخاص نشروا محتويات مصورة تُظهر العلم المغربي في وضعيات مسيئة أو مبتذلة، بدافع البحث عن “الترند” أو تحقيق أرباح سريعة من المشاهدات، قبل أن يتم حذف بعض هذه المقاطع ومباشرة مساطر قانونية في حق أصحابها.
ورغم أهمية الردع القانوني، فإن الاقتصار على العقوبة لا يكفي وحده لوقف هذه الظاهرة. حماية الراية الوطنية تستدعي أيضاً عملاً وقائياً متواصلاً يقوم على التربية على المواطنة، وتوضيح الفرق بين حرية التعبير والإساءة الرمزية، وتعزيز وعي الشباب بخطورة تحويل الرموز السيادية إلى أدوات للعبث الرقمي. كما تظل مسؤولية الإعلام أساسية في عدم تضخيم التفاهة، ومسؤولية المنصات الرقمية قائمة في الاستجابة السريعة لطلبات حذف المحتوى المسيء، حتى لا يتحول العلم المغربي إلى ضحية سهلة لاقتصاد المشاهدات.
في المحصلة، الدفاع عن الراية الوطنية ليس موقفاً عاطفياً ولا شعاراً ظرفياً، بل التزام قانوني وأخلاقي يعكس نضج المجتمع واحترامه لذاته. حين تُهان الراية باسم التفاهة أو الربح، فإن الضرر لا يصيب الدولة فقط، بل يمس صورة المغاربة جميعاً، ويضعف المعنى العميق للانتماء الذي لا يُقاس بعدد المتابعين ولا بحجم المشاهدات، بل بمدى احترام الرموز التي تجمع ولا تفرّق.