القنيطرة: مقاربة أمنية استباقية تُجهِض أعمال الشغب وتُعيد الاعتبار للأمن المجتمعي
بوشعيب البازي
شهدت مدينة القنيطرة، خلال الأسابيع الأخيرة، ظاهرة تراشق بالحجارة بين مجموعة من القاصرين في بعض الاحياء التي تعتبر نقط سوداء خاصة بقطاع الساكنية بالقنيطرة، في سلوك عنيف يندرج ضمن ظاهرة العصابات الحضرية، وأسفر في بعض الحالات عن إصابات بليغة وخطيرة في صفوف المشاركين والمواطنين العابرين على حد سواء، فضلاً عما خلفه من حالة هلع واستياء وسط الساكنة.
هذه الأحداث، التي كانت تهدد بتحويل بعض الفضاءات الحضرية إلى بؤر توتر دائم، استدعت تدخلاً أمنياً حازماً ومدروساً من طرف ولاية أمن القنيطرة، التي اختارت مقاربة مزدوجة تجمع بين الزجر القانوني الصارم والوقاية الاستباقية، مع تعزيز مفهوم الأمن في بعده المجتمعي.
وفي السياق نفسه، كشفت معطيات أمنية عن نجاح عملية مشتركة ومنسقة بين مصالح الأمن العمومي والشرطة القضائية بالقنيطرة، أسفرت عن حجز كميات مهمة من الشهب الاصطناعية والمفرقعات، التي كان يُشتبه في تهريبها وإدخالها إلى الملعب البلدي خلال مباريات النادي القنيطري. وقد جرى تنفيذ هذه العملية الأمنية النوعية بحي الخبازات بالمنطقة التجارية، حيث تم ضبط هذه المواد الخطيرة لدى أسرة معروفة بسوابقها في الاتجار غير المشروع في المفرقعات. وتندرج هذه العملية ضمن المقاربة الاستباقية التي تعتمدها المصالح الأمنية للحد من مصادر العنف، وتجفيف المنابع التي تغذي أعمال الشغب داخل الفضاءات الرياضية وخارجها، بما يعزز سلامة الجماهير ويحمي الممتلكات العامة والخاصة.
من التدخل الظرفي إلى الاستراتيجية الوقائية
في هذا السياق، بادرت ولاية أمن القنيطرة إلى إحداث فرق لشرطة الدراجين، وهي وحدات ميدانية تتميز بسرعة التدخل والانتشار في الأزقة والأحياء ذات الكثافة السكانية، ما مكّن من تقليص زمن الاستجابة الأمنية وإجهاض العديد من محاولات التراشق بالحجارة قبل تطورها إلى مواجهات مفتوحة.
وقد أثبت هذا النمط من التدخل نجاعته، ليس فقط في تفريق التجمعات العنيفة، بل أيضاً في فرض حضور أمني مرن وقريب من المواطن، يقطع الطريق أمام من يسعون إلى استغلال الفراغ الزمني أو الجغرافي لفرض منطق الفوضى.
الأمن بالمقاربة الإنسانية: استعادة الثقة
إلى جانب المقاربة العملياتية، عملت المصالح الأمنية على تعزيز علاقة الثقة والمحبة بين المواطن ورجل الأمن، عبر تكريس سياسة القرب والتواصل المباشر مع الساكنة، وتشجيع المواطنين على التبليغ الفوري عن التحركات المشبوهة أو بوادر الشغب.
هذا التوجه، الذي ينسجم مع فلسفة الأمن التشاركي، جعل من المواطن شريكاً فعلياً في حفظ النظام العام، وأسهم في توفير معطيات ميدانية دقيقة مكّنت من التدخل في الوقت المناسب، وتفادي سقوط ضحايا أو توسع رقعة العنف.
أعمال شغب بلا حاضنة اجتماعية
وتؤكد مصادر مطلعة أن هذه السلوكيات العنيفة تبقى معزولة ومرفوضة اجتماعياً، ولا تعكس قيم ساكنة القنيطرة المعروفة بتشبثها بالأمن والاستقرار. كما أن الحزم الأمني، المقترن بالتحسيس والتتبع القضائي، بعث برسالة واضحة مفادها أن المدينة ليست مجالاً لتصفية الحسابات أو فرض منطق العصابات.
نحو أمن حضري مستدام
إن ما تحقق بالقنيطرة يبرز تحولاً نوعياً في تدبير القضايا الأمنية ذات الطابع الحضري، حيث لم يعد التدخل مقتصراً على رد الفعل، بل أصبح مبنياً على الاستباق، والانتشار الذكي، وبناء الثقة مع المواطن.
وهي تجربة تؤكد أن الأمن ليس فقط حضوراً للزي الرسمي، بل منظومة متكاملة قوامها اليقظة، القرب، والتفاعل الإيجابي مع المجتمع، بما يضمن حماية الأرواح والممتلكات، ويصون الحق الجماعي في مدينة آمنة ومستقرة.