لم يكن الهجوم المسلح الذي استهدف تجمعًا لليهود على شاطئ بونداي في سيدني مجرد حادث أمني عابر، بل محطة جديدة تكشف هشاشة السلم المجتمعي حين تُترك خطابات الكراهية بلا مواجهة فكرية وأخلاقية. ففي لحظة كان يفترض أن تحتفي بالنور والسلام، تحوّل عيد “حانوكا” إلى مسرح لعنف أعمى حصد أرواح مدنيين لا ذنب لهم سوى انتمائهم الديني.
في خضم هذه المأساة، ارتفعت أصوات اليهود المغاربة لتؤكد أن الرد على التطرف لا يكون بمزيد من الاستقطاب، بل بإحياء قيم التسامح والعيش المشترك، مستحضرة النموذج المغربي بوصفه تجربة إنسانية نادرة في التعايش بين الأديان.
جاكي كادوش، رئيس الطائفة اليهودية المغربية بجهة مراكش–آسفي، يرى أن هذا الاعتداء يعكس “إفلاسًا أخلاقيًا وفكريًا لدى تيارات متطرفة لا تميّز بين الصراع السياسي والإنسان البريء”. ويؤكد أن عيد حانوكا، الذي يرمز إلى النور والانتصار على الظلام، “لا يحمل في جوهره سوى رسالة السلام وتقاسم القيم الإنسانية المشتركة”.
ويحذر كادوش من منطق الانتقام الجماعي الذي بات يغذي الاعتداءات المعادية لليهود في عدد من دول العالم، موضحًا أن “اختزال الصراعات المعقدة في صور نمطية دينية لا يؤدي إلا إلى توسيع دائرة الضحايا”، سواء كانوا يهودًا أو مسلمين أو غيرهم من الأبرياء.
في مقابل هذا المشهد القاتم، يبرز المغرب، بحسب المتحدث، كاستثناء لافت في محيط إقليمي ودولي مضطرب. “في المغرب”، يقول كادوش، “لم يكن التعايش شعارًا ظرفيًا، بل ممارسة يومية ضاربة في التاريخ، حيث عاش اليهود والمسلمون جنبًا إلى جنب، تقاسموا الأفراح والأحزان، وبنوا ذاكرة مشتركة ما زالت حية إلى اليوم”.
ولعل الدليل الأبلغ على ذلك، حسبه، هو موجة التضامن التي عبّر عنها مغاربة مسلمون عقب هجوم سيدني، من خلال رسائل تعزية ومواساة ورفض صريح لكل أشكال العنف الديني. وهي إشارات، وإن بدت رمزية، إلا أنها تؤكد أن التعايش حين يكون متجذرًا في الثقافة المجتمعية يصبح حصنًا منيعًا ضد خطاب الكراهية.
على المستوى الدولي، كشف الهجوم عن قلق متزايد داخل أستراليا نفسها، حيث تعهدت الحكومة بتشديد قوانين حيازة السلاح ومواجهة معاداة السامية، في وقت تتقاطع فيه الجريمة مع سجالات سياسية حادة حول مسؤولية الخطاب العام في تغذية التطرف.
غير أن الدرس الأعمق، كما يراه اليهود المغاربة، يتجاوز البعد الأمني والتشريعي. فمواجهة الإرهاب، في نظرهم، لا تقتصر على القوانين ولا على الردود السياسية، بل تبدأ من المدرسة، ومن الإعلام، ومن إعادة الاعتبار لقيم العيش المشترك باعتبارها خيارًا حضاريًا لا بديل عنه.
وهكذا، يتحول استحضار التجربة المغربية من مجرد إشادة أخلاقية إلى دعوة صريحة للعالم: أن يجعل من التسامح سياسة، ومن التعايش ثقافة، ومن الاختلاف مصدر غنى لا ذريعة للقتل.