لم تعد الأخبار الزائفة مجرد انزلاق مهني أو خطأ عابر في نقل المعلومة، بل تحولت إلى تحدٍّ بنيوي يطال وعي المجتمعات واستقرارها، ويضع الإعلام أمام اختبار حقيقي يتعلق بالمصداقية والمسؤولية. وفي هذا السياق، يبرز في المغرب وعي متنامٍ بضرورة التصدي للتضليل الرقمي باعتباره ورشًا وطنيًا جماعيًا، تتقاطع فيه أدوار الدولة، والإعلام، والمجتمع المدني، والفاعلين الرقميين.
هذا التوجه عبّر عنه وزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، مؤكدًا أن محاربة الأخبار الزائفة لا يمكن أن تحقق نتائج ملموسة دون تنسيق فعلي بين المؤسسات العمومية، ووسائل الإعلام الوطنية، والقطاع الخاص، إلى جانب الاستثمار في التربية الإعلامية، خصوصًا لدى فئة الشباب.
وأوضح الوزير، خلال لقاء بالرباط خُصص لموضوع “محاربة الأخبار الزائفة: رؤى ومقاربات متقاطعة”، أن التحول الرقمي، رغم ما أتاحه من فرص غير مسبوقة لتداول المعلومة، أفرز في المقابل تهديدات حقيقية تمس الحق في الخبر الدقيق، وتُربك العلاقة بين المواطن والإعلام. واعتبر أن بناء إعلام وطني موثوق يظل خيارًا استراتيجيًا لترسيخ مجتمع واعٍ ومحصن ضد التضليل.
وشدد بنسعيد على أن الرهان لا ينحصر في مواجهة المحتوى الزائف بعد انتشاره، بل يتطلب تقوية بنية الإعلام الوطني، ودعم المقاولة الصحفية، وتحديث أدوات الاشتغال المهني، بما يمكّنها من أداء دورها التنويري في ظل التدفق الهائل للمعلومات غير الموثوقة. فالأخبار الزائفة، في نظره، لم تعد مجرد إشكال إعلامي، بل أضحت خطرًا ثقافيًا يمس منظومة القيم ويؤثر في الوعي الجماعي.
وفي قلب هذا الورش، يضع الوزير فئة الشباب، باعتبارها الأكثر تفاعلًا مع المنصات الرقمية. فالهدف، بحسبه، هو الانتقال من منطق الاستهلاك السلبي للأخبار إلى منطق المشاركة الواعية، عبر تمكين الشباب من أدوات التحليل والتحقق، وتعزيز قدرتهم على التمييز بين الخبر المهني والمحتوى المضلل، في سياق تغيرت فيه جذريًا طرق إنتاج المعلومة وتداولها.
ويأتي هذا اللقاء امتدادًا لمسار انخرطت فيه الوزارة خلال السنوات الأخيرة، حيث جرى إحداث آليات لرصد الأخبار الزائفة، وتوسيع اختصاصات قطاع التواصل لتشمل التحقق من المحتوى الإعلامي، إلى جانب العمل على تطوير برامج التربية على الإعلام والتواصل، مع التركيز على حماية القاصرين وترسيخ السيادة الرقمية.
كما شهدت المرحلة نفسها خطوات مؤسساتية، من بينها الدعوة إلى إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، بما يعزز التنظيم الذاتي للمهنة ويحد من المحتوى المضلل، في إطار مقاربة ديمقراطية تروم إعادة بناء الثقة بين المواطن ووسائل الإعلام.
وساهمت مؤسسات الإعلام العمومي بدورها في هذا التوجه، عبر إحداث وحدات متخصصة في التحقق من الصور والفيديوهات المتداولة، ونشر توضيحات فورية لتفنيد الأخبار المغلوطة، في محاولة للحد من سرعة انتشارها وتأثيرها.