إيرلندا أمام اختبار الصحراء: بين زخم الدعم الدولي ومحدودية الموقف التقليدي
مجدي فاطمة الزهراء
في لحظة دولية تتسم بإعادة تشكل موازين المواقف بشأن نزاع الصحراء المغربية، تتزايد الأصوات داخل أوروبا الداعية إلى مراجعة المواقف التقليدية والالتحاق بالدينامية الدولية الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب. آخر هذه الدعوات جاءت من دبلن، حيث حثّ شون أو فيرغيل، النائب بالبرلمان الإيرلندي والرئيس السابق لمجلس النواب، الحكومة الإيرلندية على الانخراط بوضوح في هذا المسار، معتبرًا أن دعم المبادرة المغربية ينسجم مع التزامات بلاده التاريخية تجاه منظمة الأمم المتحدة، ومع مصالحها الإستراتيجية في شمال إفريقيا.
تزامنت هذه الدعوة مع تأكيد وكيل وزارة الخارجية البريطانية، هاميش فالكونر، اعتماد لندن دعم مبادرة الحكم الذاتي كحل “واقعي ومستدام” لنزاع الصحراء، في مؤشر إضافي على التحول المتدرج داخل الفضاء الأوروبي نحو مقاربة أكثر براغماتية لهذا الملف، تقوم على دعم الحلول السياسية القابلة للتطبيق بدل الرهانات المؤجلة.
قرار أممي وتحول دولي متسارع
أوضح أو فيرغيل، بصفته منسق مجموعة الصداقة البرلمانية الإيرلندية-المغربية، أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797 يشكل محطة مفصلية في مسار التعاطي الدولي مع النزاع، كونه يعكس توجهاً متنامياً داخل المنتظم الدولي نحو دعم حل سياسي واقعي ومتوافق عليه. وأبرز أن أكثر من 100 دولة، من بينها نحو 20 دولة أوروبية، عبرت بشكل صريح عن دعمها لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الإطار الجاد وذي المصداقية لتسوية نزاع طال أمده لأكثر من خمسة عقود.
هذا التحول، وفق متابعين، لم يعد محصورًا في دوائر دبلوماسية ضيقة، بل بات يتجسد في مواقف رسمية وبرلمانية داخل عواصم أوروبية كانت تُصنف تقليديًا ضمن خانة “الحياد”، ما يضع دولًا مثل إيرلندا أمام معادلة جديدة يصعب تجاهلها.
علاقات ثنائية في تطور… وموقف سياسي متحفظ
في هذا السياق، شدد أو فيرغيل على أن العلاقات الإيرلندية-المغربية تعرف اليوم تطورًا غير مسبوق، تجسّد بشكل عملي من خلال افتتاح السفارة الإيرلندية بالرباط، وتعزيز الحضور الدبلوماسي لدبلن في المملكة، مثنيًا على الدور الذي تضطلع به السفيرة هيلينا نولان في الدفع بالعلاقات الثنائية إلى مستويات أكثر عمقًا، سواء على صعيد المبادلات التجارية أو تنقل المواطنين.
واعتبر المتحدث أن المغرب، بما يشهده من تطور اقتصادي وتنموي متسارع، يشكل شريكًا إستراتيجيًا حيويًا لإيرلندا، و”بوابة حقيقية نحو القارة الإفريقية” بالنسبة لأوروبا، ما يستدعي – بحسبه – انسجام الموقف السياسي الإيرلندي مع هذه المعطيات الجديدة، خاصة في ظل التحاق دول أوروبية، من بينها هولندا، مؤخرًا بركب الدول الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي.
بين الالتزام الأممي ورفض “المنطقة الرمادية”
من جانبه، يرى الكاتب الصحفي بوشعيب البازي، أن دعوة إيرلندا إلى دعم جهود المبعوث الأممي وتأييد قرار مجلس الأمن الأخير تعكس بداية انخراط إيجابي لدبلن في هذا النزاع الإقليمي، بما ينسجم مع توجهات المنتظم الدولي. غير أنه شدد، في تصريح لـه، على أن هذا الانخراط يظل غير كافٍ ما لم يُترجم إلى موقف سياسي واضح.
وأوضح البازي أن “المساهمة في حل نزاع الصحراء لم تعد تقبل بالمواقف الرمادية أو ذات الازدواجية السياسية”، معتبرًا أن إيرلندا مطالبة بقدر أكبر من الجرأة السياسية لمواكبة الدينامية الدولية، والمساهمة الفعلية في الدفع بمسار التسوية الأممية، بما يستجيب لتطلعات سكان الأقاليم الجنوبية للمغرب، ويعزز الاستقرار الإقليمي.
موقف حكومي حذر… وانتظار التحول
في المقابل، تواصل الحكومة الإيرلندية التمسك بموقف حذر، إذ أكدت وزيرة الخارجية، هيلين ماكنتي، أن بلادها تدعم المسار الذي تقوده الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي متوافق بشأنه، وتساند جهود المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لاستئناف العملية السياسية. كما شددت على أن دبلن تتابع عن كثب تداعيات اعتماد قرار مجلس الأمن رقم 2797، الذي يوفر إطارًا واضحًا للمفاوضات ويدعو جميع الأطراف – المغرب والجزائر وجبهة بوليساريو وموريتانيا – إلى الانخراط البنّاء دون شروط مسبقة.
غير أن مراقبين يرون أن هذا الموقف، رغم انسجامه شكليًا مع المرجعية الأممية، بات غير كافٍ في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها الملف، خصوصًا مع تزايد الاعتراف الدولي بمبادرة الحكم الذاتي كحل عملي ومستدام.
لحظة قرار
تبدو إيرلندا اليوم أمام لحظة سياسية دقيقة: إما مواصلة التموقع في منطقة الحذر الدبلوماسي، أو الانخراط بوضوح في الدينامية الدولية التي باتت ترى في مبادرة الحكم الذاتي المغربية الإطار الواقعي الوحيد لإنهاء نزاع طال أمده. وفي الحالتين، فإن كلفة الانتظار قد تكون أعلى من كلفة اتخاذ موقف واضح، في عالم لم يعد يتسامح كثيرًا مع الضبابية في الملفات الإستراتيجية.