عندما تُحرّك الستارة أكثر مما تُحرّك الكرة: قراءة في سلوك الوفد الجزائري بالرباط
بوشعيب البازي
منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى الرباط، بدا أن وفد المنتخب الجزائري لكرة القدم قرر خوض بطولة موازية، لا علاقة لها بالمستطيل الأخضر ولا بخطط اللعب، بل بسلوكيات صغيرة في ظاهرها، ثقيلة في رمزيتها، توحي بأن بعض العُقَد السياسية ما زالت تبحث لها عن منافذ… حتى داخل قاعات الاجتماعات الفندقية.
ففي مشهد لا يخلو من دلالة، أقدم أحد أعضاء الوفد الجزائري، داخل فندق ماريوت بالرباط، على حجب صورة جلالة الملك محمد السادس خلف ستارة أثناء استخدام قاعة للاجتماعات. تصرّف لم يدم طويلاً، إذ سارعت إدارة الفندق، وبهدوء مهني يحسب لها، إلى إعادة الصورة إلى مكانها الطبيعي، كما تقتضي الأعراف، واحترام البلد المضيف قبل أي شيء آخر.
قد يبدو الأمر تفصيلاً عابراً، لكنه في السياق المغاربي تحديداً، حيث تختلط الرياضة بالسياسة أكثر مما ينبغي، لا يمكن فصله عن نمط سلوكي مألوف. فبعض التصرفات التي تصدر عن وفود رسمية أو شبه رسمية، توحي بأن الهدف ليس فقط المشاركة في تظاهرة رياضية، بل اختبار أعصاب المنظمين، وقياس قدرتهم على ضبط النفس أمام استفزازات محسوبة بعناية.
وتتحدث كواليس البطولة عن أن الوفد الجزائري يضم عناصر “غير رياضية تماماً” في تكوينه، ما يفسر ربما هذا الحرص المبالغ فيه على افتعال الجدل بدل التركيز على التحضير الكروي. ليس اتهاماً بقدر ما هو انطباع عززته سلسلة من التصرفات التي تبتعد عن الروح الرياضية، وتقترب أكثر من منطق “التشويش المنهجي”.
غير أن ما يبدو أنه يُغضب الوفد الجزائري فعلاً، ليس صورة ولا ستارة، بل تلك الحفاوة الراقية التي لقيتها جميع الوفود المشاركة، وذلك التنظيم الذي يعكس خبرة مغربية متراكمة في إدارة التظاهرات الكبرى. تنظيم لا يرفع صوته، ولا يستفز أحداً، لكنه يفرض نفسه بهدوء، وهو ما لا يتحمله من اعتاد العمل وسط الضجيج.
في المقابل، تؤكد السلطات المغربية، مرة أخرى، أنها تدير مثل هذه المناسبات بعين باردة وأعصاب هادئة. فمحاولات زرع الفوضى أو التشويش، مهما كان مصدرها، تبقى محكومة بسقف القانون وبمنطق دولة تعرف جيداً ما تفعل، ومتى تتدخل، وكيف تضع كل تصرف في حجمه الحقيقي دون تضخيم أو انفعال.
وفي نهاية المطاف، قد تُحجب صورة خلف ستارة لبضع دقائق، لكن صورة المغرب كبلد منظم، واثق من نفسه، وقادر على تحويل التحديات الصغيرة إلى تفاصيل هامشية، تظل عصيّة على الحجب. أما من يبحث عن الانتصار خارج الملعب، فغالباً ما يكتشف، متأخراً، أن البطولات لا تُربح بالإيماءات المستفزة، بل بالوعي، والاحتراف، واحترام قواعد اللعبة… بكل معانيها.