الرباط – لم يكن افتتاح كأس أمم أفريقيا 2025 بالنسبة إلى المنتخب المغربي مجرد مباراة عادية في دور المجموعات، بل لحظة فاصلة لاختبار الجاهزية الذهنية والتكتيكية لمنتخب يدخل البطولة محمّلا بانتظارات جماهيرية عالية وطموح معلن للعودة إلى منصة التتويج بعد غياب دام خمسة عقود. وبين ضغط الافتتاح ومتطلبات الفوز، خرج “أسود الأطلس” بانتصار على جزر القمر (2-0)، ترك شعورا عاما بالارتياح أكثر مما أثار نشوة مبكرة.
بداية اللقاء لم تعكس صورة المنتخب المرشح للقب. الأمطار التي هطلت على الرباط، إلى جانب إهدار ركلة جزاء في الدقائق الأولى، ثم إصابة القائد رومان سايس، صنعت مناخا متوترا، وأظهرت حجم العبء النفسي الذي رافق اللاعبين منذ صافرة البداية. بدا واضحا أن المباراة الافتتاحية، كما جرت العادة في البطولات الكبرى، تحمل تعقيداتها الخاصة، خاصة عندما يكون المنتخب المضيف مطالبا بإقناع جماهيره قبل منافسيه.
مدرب المنتخب وليد الركراكي لم يُخف بعد المباراة صعوبة الدخول في أجواء المنافسة، مؤكدا أن الفوز في المباراة الأولى يبقى مفتاحا أساسيا لأي مسار ناجح. وأوضح أن التحضير الطويل للبطولة، والذي امتد لأكثر من عام ونصف، جعل سقف التوقعات مرتفعا، وبالتالي زاد من منسوب الضغط، خصوصا في الدقائق الأولى التي افتقد فيها الفريق للهدوء والنجاعة.
على المستوى الفني، كشف الشوط الأول عن صعوبة اختراق دفاع منتخب جزر القمر، الذي اعتمد كتلة دفاعية منخفضة وانضباطا تكتيكيا عاليا، ما أربك الإيقاع الهجومي للمغرب وفرض إيقاعا بطيئا على اللعب. ومع ذلك، بدا أن الجهاز الفني كان يراهن على البعد البدني والزمني، في انتظار تراجع الخصم خلال الشوط الثاني.
الفوز كان ضرورة نفسية قبل أن يكون إنجازا فنيا
هذا الرهان أثمر بعد الاستراحة، حيث ظهر المنتخب المغربي بوجه أكثر توازنا وفعالية. التعديلات التكتيكية، إلى جانب تحسن الانتشار في وسط الملعب، سمحت بفرض السيطرة التدريجية، وهو ما تُرجم إلى هدف أول وقّعه إبراهيم دياز، قبل أن يؤكد أيوب الكعبي التفوق بهدف ثانٍ أنهى الجدل حول هوية الفائز.
الانتصار، وإن لم يكن استعراضيا، حمل مؤشرات إيجابية، أبرزها قدرة المنتخب على التعامل مع سيناريو معقّد دون ارتباك، والنجاح في تحويل الضغط إلى حافز. وفي هذا الإطار، عبّر دياز عن أهمية حصد النقاط الثلاث في اللقاء الأول، معتبرا أن الفوز سيمنح دفعة معنوية حاسمة لما تبقى من المنافسات، خاصة في ظل الأجواء الجماهيرية التي وصفها بالمميزة.
كما برز أداء بعض العناصر الجديدة، وعلى رأسها نايل العيناوي، الذي منح خط الوسط توازنا أكبر عند دخوله، وأسهم في تحسين الإيقاع والتحكم في نسق المباراة، ما أعاد إلى الأذهان الانضباط الجماعي الذي ميّز المنتخب المغربي في مونديال قطر 2022.
في المحصلة، قدّم المنتخب المغربي في افتتاح كأس أمم أفريقيا عرضا واقعيا أكثر منه استعراضيا، لكنه ناجح من حيث النتيجة والسياق. فالفوز في مباراة الافتتاح، بكل ما تحمله من ضغط ورهانات، يمنح “أسود الأطلس” هامش ثقة أكبر قبل مواجهة التحديات المقبلة، ويؤكد أن طريق المنافسة على اللقب يبدأ أحيانا بانتصارات هادئة، لا تحتاج إلى بهرجة بقدر ما تحتاج إلى صلابة وتركيز.