دي ميستورا في أوسلو: اختبار أوروبي جديد لزخم الحكم الذاتي في الصحراء المغربية
بوشعيب البازي
الرباط – لا تبدو زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، ستيفان دي ميستورا، إلى العاصمة النرويجية أوسلو مجرد محطة بروتوكولية في جولة دبلوماسية روتينية، بقدر ما تعكس محاولة محسوبة لإعادة هندسة الزخم السياسي الدولي حول ملف طال أمده، واستنزف جهود الوساطة الأممية لعقود دون اختراق حاسم.
فبعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2797 في أكتوبر الماضي، دخل المسار الأممي مرحلة مختلفة، عنوانها البحث عن دعم نوعي داخل الفضاء الأوروبي، وليس فقط توسيع دائرة الاعترافات التقليدية. وفي هذا السياق، التقى دي ميستورا بوزير الخارجية النرويجي إسبن بارت إيدي ونائبه أندرياس موتسفيلدت كرافيك، في مشاورات ركزت على سبل دفع العملية السياسية، وتعزيز دور الأمم المتحدة في تهيئة شروط تفاوض أكثر واقعية.
النرويج… رصيد الوساطة في خدمة المسار الأممي
اختيار أوسلو لم يكن اعتباطياً. فالنرويج راكمت، على مدى عقود، صورة دولة “الوسيط النزيه”، من اتفاقيات أوسلو في الشرق الأوسط إلى أدوارها في ملفات دولية أخرى. هذا الرصيد الدبلوماسي هو ما يعوّل عليه المبعوث الأممي، ليس للعب دور مباشر في النزاع، بل لتوفير غطاء سياسي وأخلاقي للمقاربة الأممية داخل الدوائر الأوروبية والدولية.
وخلال مباحثاته، شدد دي ميستورا على التفويض الواسع الذي منحه له قرار مجلس الأمن 2797، مؤكداً أن المرحلة المقبلة ستقوم على دعوة جميع الأطراف لتقديم مقترحات ملموسة، تمهيداً لإعداد جدول أعمال شامل لمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة. وهي رسالة توحي بأن زمن إدارة الأزمة يقترب من نهايته، وأن الأمم المتحدة تسعى – على الأقل نظرياً – إلى الانتقال نحو منطق التسوية.
إجماع دولي يتبلور حول الحكم الذاتي
في موازاة ذلك، أقرّ المبعوث الأممي بأن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 باتت تحظى بدعم دولي متزايد، وهو ما يمنحها وزناً سياسياً لم تكن تتمتع به في مراحل سابقة. هذا التحول، الذي كرّسه القرار الأممي الأخير، يعكس تغيراً في مقاربة مجلس الأمن، حيث لم يعد النقاش يدور حول حلول قصوى أو طروحات غير قابلة للتنفيذ، بل حول تسوية “واقعية ودائمة ومقبولة”.
أوروبا في قلب المعادلة الجديدة
اللافت في هذا التحرك أنه يأتي في لحظة يعاد فيها ترتيب المواقف داخل مجلس الأمن وخارجه. فالدعم المتنامي للمبادرة المغربية لم يعد مقتصراً على دول الجنوب، بل شمل قوى وازنة مثل الولايات المتحدة وفرنسا، وهما عضوان دائمان في مجلس الأمن. هذا المعطى يمنح المسار الأممي ثقلاً سياسياً جديداً، ويضع الأطراف الأخرى أمام اختبار الواقعية.
وفي هذا السياق، دعا دي ميستورا إلى إطلاق جولة جديدة من المفاوضات تضم المغرب وجبهة بوليساريو والجزائر وموريتانيا، مع تغيير وتيرة العمل الدبلوماسي. وذهب أبعد من ذلك حين أكد أن نصف قرن من الوساطة والقرارات الأممية يكفي، وأن المرحلة المقبلة تتطلب “قرارات شجاعة” قائمة على التسوية لا على إدارة الخلاف.
بين التفويض الأممي وحدود المناورة
رغم هذا الزخم، تبقى مهمة المبعوث الأممي محفوفة بتحديات بنيوية، في مقدمتها مواقف بعض الأطراف الإقليمية، وتعقيدات التوازنات داخل مجلس الأمن. غير أن انتظار دي ميستورا لنسخة محدثة من خطة الحكم الذاتي المغربية، واعتماده عليها كأرضية للنقاش، يعكس توجهاً أممياً نحو بلورة مفاوضات ذات مضمون، لا مجرد جولات شكلية.
في المحصلة، تبدو محطة أوسلو بمثابة اختبار لقدرة الأمم المتحدة على تحويل الدعم الدولي المتنامي إلى مسار تفاوضي فعلي. فإما أن تنجح الدبلوماسية الأممية في استثمار هذا الزخم، أو أن يعود الملف مجدداً إلى دائرة الانتظار، في نزاع لم يعد يحتمل مزيداً من التجميد.