عندما تتحول الجنسية إلى عقوبة: النظام الجزائري يكتشف «سلاح التجريد» ضد معارضي الخارج

بوشعيب البازي

Screenshot

يبدو أن النظام الجزائري، وقد استنفد تقريباً كل أدوات الردع التقليدية، قرر الانتقال إلى المرحلة التي تلي السجن: معاقبة الفكرة بسحب الهوية.

فمع اقتراب موعد التصويت البرلماني على مشروع تعديل قانون الجنسية، تدخل الجزائر فصلاً جديداً من فصول التضييق السياسي، حيث لم يعد الخلاف مع السلطة ينتهي بحكم قضائي أو منع من السفر، بل قد يُتوَّج بفقدان شرف الانتماء ذاته.

Screenshot

مشروع «التجريد من الجنسية»، الذي يُقدَّم رسمياً على أنه إجراء سيادي لحماية “المصالح العليا للدولة”، يبدو في قراءته الواقعية أقرب إلى قائمة سوداء موسّعة، موجهة أساساً إلى معارضي الخارج: صحفيين، نشطاء، حقوقيين، ومواطنين اكتشفوا أن المسافة الجغرافية لا تعني بالضرورة الأمان السياسي.

من الردع القضائي إلى محو الانتماء

لسنوات، راهن النظام على ترسانة قضائية ثقيلة: تهم جاهزة، محاكمات مستعجلة، وأحكام قاسية. غير أن هذه الأدوات، على صلابتها، اصطدمت بحدود الواقع:فالمعارض الذي يعيش خارج الحدود لا تطاله زنزانة، ولا تُسكت صوته مذكرة توقيف، ولا تُخيفه محكمة غيابية.

هنا، يبدو أن السلطة قررت التفكير خارج صندوق السجن، واكتشفت الحل “العبقري”:

إن لم نُسكت المواطن… فلنلغِه قانونياً.

بهذا المنطق، تتحول مفاهيم مطاطة مثل “المساس بالوحدة الوطنية” و“الإضرار بمصالح الدولة” و“الإرهاب” إلى مفاتيح جاهزة لفتح باب التجريد، دون حاجة لتعريف دقيق أو معايير قابلة للتحقق. إنها لغة مرنة بما يكفي لتشمل الجميع، باستثناء من يصفق.

تكميم أفواه بلا حدود… وبلا جواز سفر

اللافت في هذا المشروع أنه يستهدف، بشكل شبه حصري، الجزائريين المقيمين في الخارج. وكأن النظام يعترف ضمناً بأن مشكلته لم تعد داخلية فقط، بل رقمية وعابرة للحدود، حيث لا تنفع التعليمات الأمنية ولا تنجح الرقابة التقليدية.

إنه اعتراف غير معلن بفشل أدوات السيطرة القديمة، ومحاولة لفرض الانضباط السياسي عبر تهديد قانوني من نوع جديد: إما الصمت… أو سحب الانتماء.

برلمان قلق… وتحذيرات على الهامش

داخل المجلس الشعبي الوطني، سُجلت بعض محاولات ضبط هذا الانزلاق. فقد طالب نواب، من بينهم ممثل الجالية في فرنسا عبد الوهاب يعقوبي، بحصر قرار سحب الجنسية في إطار قضائي صارم، وتحت رقابة قاضٍ مستقل، حماية لقرينة البراءة ومنعاً لتحول القرار إلى إجراء إداري انتقامي.

لكن هذه الأصوات، رغم وجاهتها، بدت كمن يحاول إدخال منطق دولة القانون إلى نص وُلد أصلاً خارج هذا المنطق.

من جهتها، حذرت منظمة «شعاع» الحقوقية من خطورة المسار التشريعي، معتبرة أن النص المقترح لا يحمي الدولة بقدر ما يوسّع هامش التعسف، ويحوّل إجراءً استثنائياً إلى أداة يومية لتصفية الحسابات السياسية، خصوصاً مع من لا تطالهم يد الاعتقال المباشر.

من القمع إلى التجريد… أعراض إفلاس سياسي

يرى مراقبون أن اللجوء إلى سلاح التجريد من الجنسية لا يعكس قوة الدولة، بل ارتباكها. فالدولة الواثقة من شرعيتها لا تخشى مواطنيها، ولا تعاقبهم على آرائهم، ولا تُحوّل الهوية الوطنية إلى بطاقة ولاء مؤقتة.

Screenshot

إن تحويل الجنسية من حق ثابت إلى مكافأة مشروطة بالسلوك السياسي يُعد، وفق حقوقيين، خرقاً صريحاً للمادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتناقضاً صارخاً مع التزامات الجزائر الدولية، لكنه قبل ذلك مؤشر على أزمة ثقة عميقة بين السلطة والمجتمع.

حين تعلن السلطة الحرب على المواطنة

في النهاية، لا يبدو أن هذا القانون سيُسكت المعارضين بقدر ما سيُحرج الدولة نفسها. فالمواطنة لا تُفرض بالقوة، والانتماء لا يُدار بالمراسيم، والاستقرار لا يُبنى عبر تهديد الناس بمحو أسمائهم من السجلات.

حين تصل السلطة إلى حد معاقبة مواطنيها على آرائهم بسحب هويتهم، فهي لا تدافع عن الدولة…

بل تعترف، دون أن تدري، بأنها فقدت قدرتها على الإقناع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com