الرباط – مع إسدال الستار على الجولة الأولى من بعض مجموعات كأس الأمم الأفريقية 2025 المقامة في المغرب، برز تباين واضح في ملامح الانطلاقة بين منتخبات دخلت البطولة بثقة ووضوح رؤية، وأخرى وجدت نفسها منذ البداية أمام اختبارات شاقة، رغم تاريخها القاري ووزنها الرمزي.
الجزائر… عودة بثلاث رسائل
لم يكن فوز المنتخب الجزائري على نظيره السوداني بثلاثة أهداف دون رد مجرد نتيجة افتتاحية مريحة، بل حمل في طياته أكثر من دلالة. “محاربو الصحراء” ظهروا بوجه مغاير لما قدموه في النسختين الأخيرتين، حيث ودعوا المنافسة مبكراً وبلا أي انتصار، ما جعل مشاركتهم الحالية أقرب إلى امتحان مصيري لجيل ما بعد التتويج القاري سنة 2019.
الهدف المبكر لرياض محرز في الدقيقة الثانية منح الجزائر أفضلية نفسية، سرعان ما تُرجمت إلى سيطرة ميدانية، خاصة بعد طرد لاعب السودان صلاح عادل قبل نهاية الشوط الأول. ومع عودة محرز للتسجيل في الدقيقة 61، بدا أن المنتخب الجزائري يستعيد هدوءه وثقته، قبل أن يؤكد الشاب إبراهيم مازة التفوق بهدف ثالث في الدقائق الأخيرة.
هذه البداية القوية تعكس، من جهة، رغبة الجزائر في طي صفحة إخفاقات الماضي القريب، ومن جهة أخرى قدرتها التاريخية على الدخول بثبات في البطولات القارية، إذ لم تخسر أي مباراة افتتاحية لها في كأس أفريقيا منذ 2013. غير أن الامتحان الحقيقي سيبدأ مع مواجهات أكثر صرامة، حيث ستُختبر قدرة هذا المنتخب على الحفاظ على النسق نفسه أمام خصوم لا يمنحون المساحات نفسها.
السودان… عودة صعبة وواقع تنافسي قاسٍ
في المقابل، بدا منتخب السودان، العائد إلى البطولة بعد غياب، وكأنه يصطدم مجدداً بواقع المنافسة القارية الحديثة. فرغم تاريخه العريق كأحد مؤسسي كأس الأمم الأفريقية وبطل نسخة 1970، فإن “صقور الجديان” يعانون منذ عقود من صعوبة مجاراة النسق العالي للمنتخبات الكبرى.
الهزيمة أمام الجزائر جاءت لتؤكد إحصائيات مقلقة، إذ لم يحقق السودان سوى فوز واحد في آخر 16 مباراة له في كأس أفريقيا. ورغم بعض اللمحات الإيجابية قبل الطرد، إلا أن الفوارق الفنية والبدنية ظهرت بوضوح، ما يضع المنتخب أمام تحدي الخروج بأقل الخسائر، وبناء مشروع تنافسي طويل النفس.
الأبطال يتعثرون… وسيناريوهات “مجموعة الموت”
بعيداً عن المجموعة الخامسة، خطفت مجموعة “الموت” الأضواء، حيث لم يكن طريق الفوز مفروشاً بالورود أمام حاملي اللقب وأصحاب التاريخ. ساحل العاج، بطلة النسخة الماضية، احتاجت إلى مجهود كبير لتجاوز موزامبيق بهدف وحيد، في مباراة كشفت أن الحفاظ على اللقب أصعب بكثير من التتويج به. الأمر نفسه انسحب على الكاميرون، التي خرجت منتصرة بصعوبة من مواجهتها أمام الغابون، في لقاء طغت عليه الحسابات التكتيكية والحذر المفرط.
هذه النتائج تعكس طبيعة البطولة الحالية، حيث تقلصت الفوارق بين المنتخبات، ولم يعد التاريخ وحده كافياً لحسم المباريات. فكل نقطة باتت ثمينة، وكل تعثر مبكر قد يفرض حسابات معقدة في الجولات اللاحقة.
بوركينا فاسو… الفوز في الوقت القاتل
ومن مباريات الأربعاء اللافتة، عودة بوركينا فاسو المثيرة أمام غينيا الاستوائية في ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء. فعلى الرغم من تقدم غينيا الاستوائية في الدقيقة 85، واستكمالها اللقاء بعشرة لاعبين منذ الدقيقة 50، فإن منتخب “الخيول” أظهر شخصية قوية، مسجلاً هدف التعادل في الدقيقة 95 قبل أن يخطف الفوز في الدقيقة 98.
هذا الانتصار، وإن جاء في لحظات درامية، يؤكد أن بوركينا فاسو يظل منتخباً عنيداً في البطولات القارية، قادراً على قلب المعطيات حتى في أصعب الظروف. في المقابل، ورغم الخسارة، أثبتت غينيا الاستوائية مرة أخرى أنها خصم منظم تكتيكياً، لا يمكن الاستهانة به.
بطولة بلا هوامش للخطأ
تكشف هذه الجولة الافتتاحية أن كأس الأمم الأفريقية 2025 تُدار بمنطق جديد: لا مكان للبدايات المتعثرة، ولا ضمانات للأسماء الكبيرة. الجزائر بعثت إشارات إيجابية، لكنها مطالبة بتأكيدها، فيما تلقى الأبطال التقليديون إنذاراً مبكراً بأن الطريق نحو الأدوار المتقدمة سيكون طويلاً وشاقاً.
وفي بطولة تُقام على أرض مغربية وبزخم جماهيري وإعلامي لافت، يبدو أن القاسم المشترك بين جميع المنتخبات هو حقيقة واحدة: من لا يحسن قراءة البداية، قد يدفع ثمنها باكراً.