الرباط – لا تبدو مواجهة المغرب ومالي، المقررة مساء الجمعة ضمن الجولة الثانية من منافسات المجموعة الأولى لكأس الأمم الأفريقية 2025، مجرد مباراة عادية في دور المجموعات، بقدر ما تمثل اختبارا حقيقيا لمدى جاهزية “أسود الأطلس” لتحمّل عبء الترشح، ومسؤولية البلد المضيف، وطموح استعادة لقب غاب عن خزائن الكرة المغربية منذ قرابة نصف قرن.
فبعد فوز افتتاحي مقنع على جزر القمر بهدفين دون رد، دخل به المنتخب المغربي البطولة بثقة محسوبة، يواجه زملاء وليد الركراكي امتحانا أكثر تعقيدا أمام منتخب مالي، أحد أكثر المنتخبات الأفريقية تماسكا من الناحية البدنية، وثراء من حيث الخزان البشري المحترف في أوروبا.
صعود إلى القمة… ومسؤولية مضاعفة
مدرب المنتخب المغربي، وليد الركراكي، لم يُخف في مؤتمره الصحافي عشية اللقاء إدراكه لطبيعة هذا المنعطف، معتبرا أن “الدخول الحقيقي للبطولة سيكون ضد مالي”، في إشارة واضحة إلى أن مباريات الافتتاح، مهما كانت نتائجها، لا تعكس بالضرورة المستوى الحقيقي للمنتخبات المرشحة.
ويُدرك الطاقم التقني المغربي أن الفوز في هذه المباراة لا يعني فقط حسم التأهل المبكر إلى دور الـ16، بل يبعث أيضا برسالة قوية لبقية المنافسين مفادها أن المغرب لا يلعب على عامل الأرض والجمهور فقط، بل على مشروع كروي متكامل، استقر فنيا منذ مونديال قطر، وتراكمت خبرته قاريا ودوليا.
الركراكي بدا واقعيا في قراءته للمواجهة، حين أكد أن الاستحواذ لن يكون كاسحا كما في لقاء جزر القمر، وأن فترات من المعاناة واردة، لكن دون التخلي عن الرهان على خلق المساحات، واستغلال التحولات السريعة، وهي إحدى نقاط القوة التي ميّزت المنتخب المغربي في السنوات الأخيرة.
مالي… الخصم الذي لا يعترف بالمرشحين
في الجهة المقابلة، يدخل منتخب مالي المباراة مثقلا بإحباط التعادل أمام زامبيا، بعد أن كان قريبا من حصد ثلاث نقاط ثمينة. تعادلٌ كشف، من جهة، عن هشاشة في التركيز الدفاعي خلال اللحظات الأخيرة، لكنه أبرز أيضا قدرة “النسور” على فرض إيقاع بدني عالٍ، وتنويع الحلول الهجومية.
ويعوّل المدرب البلجيكي توم سانفييت على خبرته الطويلة في الكرة الأفريقية، وعلى جيل مالي الحالي الذي يمزج بين القوة البدنية والانضباط التكتيكي، في محاولة لخلخلة استقرار المنتخب المغربي، الذي لم يتذوق طعم الهزيمة في 26 مباراة متتالية رسمية وودية.
تاريخ المواجهات يمنح أفضلية نسبية للمغرب (9 انتصارات مقابل 6 لمالي و5 تعادلات)، لكنه تاريخ لا يعكس بالضرورة واقع مباراة تُلعب في سياق ضاغط، حيث التفاصيل الصغيرة، من تركيز ذهني وحسن إدارة اللحظات الحرجة، قد تكون حاسمة.
رهان الجمهور… وهاجس اللقب
بعيدا عن الحسابات التقنية، تُلعب المباراة أيضا تحت ضغط جماهيري وإعلامي كبير. فالجمهور المغربي، الذي انتظر طويلا تتويجا قاريا ثانيا بعد لقب 1976، يرى في هذه النسخة فرصة “لا تقبل الأعذار”، خاصة مع توفر عناصر محترفة في أعلى المستويات الأوروبية، واستضافة البطولة على ملاعب وطنية حديثة.
غياب القائد رومان سايس، بسبب الإصابة، يطرح بدوره تحديا إضافيا على مستوى القيادة الدفاعية، لكنه اختبار لقدرة المجموعة على تعويض الغيابات، وترسيخ منطق “الفريق قبل الأسماء”، الذي لطالما شدد عليه الركراكي.
ما بعد مالي… ما قبل الحسم
فوز المغرب في هذه المباراة سيمنحه بطاقة عبور مبكرة، ويُخفف الضغط عن اللقاء الثالث أمام زامبيا، لكنه في الوقت ذاته سيرفع سقف التوقعات، ويُدخل “أسود الأطلس” رسميا دائرة المرشحين الأوائل للقب.
أما أي تعثر، فسيُعيد حسابات المجموعة إلى نقطة الصفر، ويُذكّر بأن كأس الأمم الأفريقية لا تعترف بالمنطق النظري، ولا بالأسماء، بل بالقدرة على إدارة التفاصيل في مباريات تُلعب أحيانا على حافة الأعصاب.
في أكادير، لن تكون المباراة مجرد 90 دقيقة، بل فصلٌ مبكر من رواية مغربية عنوانها: هل حان وقت العودة إلى القمة القارية؟