الجماهير خارج الإطار: مشاهد فوضوية ترافق الحضور الجزائري في الكان

بوشعيب البازي

Screenshot

لم تكن واقعة طرد عدد من الصحفيين الجزائريين من المغرب، على هامش نهائيات كأس أمم إفريقيا، حدثًا معزولًا أو إجراءً اعتباطيًا كما حاولت بعض المنابر الجزائرية تسويقه، بل جاءت كنتيجة منطقية لتراكم ممارسات غير مهنية، وخطاب إعلامي خرج عن أبجديات العمل الصحفي، ليتحول من تغطية رياضية إلى منصّة للتحريض وبث الأكاذيب وخلق التوتر.

صحافة بلا اعتماد… ومهام خارج الملاعب

وفق معطيات متطابقة، فإن عدداً من “الصحفيين” الجزائريين الذين جرى إبعادهم لم يكونوا يتوفرون على الاعتمادات القانونية التي تخول لهم مزاولة العمل الصحفي داخل التراب المغربي، فيما تجاوز آخرون مهامهم المهنية، وانخرطوا في تصوير محتويات خارج السياق الرياضي، أو بث روايات مغلوطة تستهدف تشويه صورة البلد المنظم، في خرق واضح للأعراف الدولية المنظمة للتظاهرات الرياضية الكبرى.

والمفارقة أن السلطات المغربية تعاملت، منذ اليوم الأول، بمرونة لافتة مع الوفود الإعلامية والجماهيرية، رغم حساسية الظرف وكثافة الحضور، واضعة نجاح “الكان” فوق أي اعتبارات أخرى.

جماهير بلا تذاكر… وفوضى أمام مقر إقامة المنتخب

بعيدًا عن الخطاب الإعلامي، كشفت الوقائع الميدانية عن اختلالات كبيرة في سلوك جزء من الجماهير الجزائرية التي حلت بالمغرب. فعدد معتبر من المشجعين قدموا دون التوفر على تذاكر رسمية للمباريات، ما أدى إلى تجمعات عشوائية وفوضى أمام الفندق الذي يقيم فيه المنتخب الجزائري، في مشاهد وثقتها عدسات متعددة، بعضها جزائري.

ورغم ذلك، امتنعت السلطات عن أي تدخل قمعي، واختارت منطق الاحتواء وضبط النفس، تفاديًا لأي احتكاك قد يُستغل إعلاميًا، وهو ما يتناقض كليًا مع الصورة التي حاول الإعلام الجزائري رسمها عن “تضييق” أو “استهداف”.

من مشجعين إلى باعة متجولين… والسلطات تتسامح

الأكثر إثارة للاستغراب هو تحول بعض المشجعين، بين ليلة وضحاها، إلى باعة متجولين في شوارع الرباط، يعرضون قمصان المنتخبين الجزائري والمغربي دون أي ترخيص قانوني. ورغم أن القوانين المحلية تمنع هذا النوع من النشاط العشوائي، إلا أن السلطات غضّت الطرف، وتعاملت مع هؤلاء بكل ود واحترام، في سلوك يعكس حرصًا واضحًا على الحفاظ على أجواء إيجابية للتظاهرة القارية.

غير أن هذه المشاهد، بدل أن تُقرأ في سياق التسامح والتنظيم المرن، جرى توظيفها إعلاميًا في الجزائر لتغذية خطاب المظلومية، ما جعل صورة الجماهير نفسها محل سخرية وانتقاد في منصات دولية وإفريقية، لا بسبب المغرب، بل بسبب الفوضى المصاحبة للسلوك والخطاب.

ذاكرة “الكان”… حين يتكرر السيناريو

ما وقع في المغرب ليس استثناءً. فذاكرة كأس أمم إفريقيا تحتفظ بحوادث مماثلة تورطت فيها جماهير جزائرية خلال دورات سابقة، سواء في مصر أو الكاميرون، حيث سُجلت احتجاجات غير منظمة، واشتباكات مع قوات الأمن، واتهامات جاهزة للمضيفين، غالبًا ما كانت تجد صدى في إعلام داخلي يبحث عن شماعة خارجية لتبرير الإخفاقات.

المشكلة في الخطاب لا في الاستقبال

خلاصة القول إن أزمة “الكان” الأخيرة لم تكن أزمة تنظيم ولا استضافة، بل أزمة خطاب إعلامي مأزوم، يرفض الفصل بين الرياضة والسياسة، ويصر على تصدير التوتر بدل المنافسة الشريفة. فالمغرب، بشهادة الاتحاد الإفريقي وضيوفه، وفّر كل شروط النجاح، وتعامل مع الجماهير والإعلام بروح مسؤولة.

أما تحويل بطولة قارية إلى معركة وهمية، فذلك خيار إعلامي جزائري صرف، يدفع ثمنه أولًا الجمهور نفسه، حين يجد ذاته في واجهة الانتقاد بدل الاحتفاء بكرة القدم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com