إعلام الجزائر و«كان 2025»… عندما يتحوّل اسم المغرب إلى محظور لغوي

بوشعيب البازي

Screenshot

بينما كانت عدسات العالم تستقرّ بثقة على ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، وتلتقط تفاصيل افتتاح إفريقي أقرب إلى عرض هوية منه إلى حفل كرة قدم، كان الإعلام الرسمي الجزائري يخوض معركة من نوع آخر: كيف نغطي بطولة قارية تُنظم في المغرب… دون أن ننطق باسم المغرب؟

هكذا، وُلدت واحدة من أغرب الظواهر الإعلامية في تاريخ التظاهرات الرياضية: بطولة تُقام في بلد موجود على الخريطة، لكن غائب عن النشرة. حاضر في الصورة، محذوف من الجملة. واقع يُرى، واسم يُمنع.

نشرة الأخبار بدون جغرافيا

المتابع للإعلام الجزائري خلال الأيام الأولى من كأس إفريقيا 2025، وجد نفسه أمام مادة إخبارية مبتورة الأطراف. المنتخب الجزائري “وصل”، المباريات “ستُجرى”، الملاعب “جاهزة”، المدن “مضيفة”… لكن الدولة؟ صمت تام.

المنتخب يحطّ في الرباط، دون أن تكون الرباط عاصمة المغرب. يلعب في طنجة، دون أن تكون طنجة مدينة مغربية. حدث قاري يُغطّى وكأنه يجري في منطقة رمادية خارج خرائط الأمم المتحدة.

لم يكن الأمر زلة مهنية عابرة، بل خياراً تحريرياً واعياً، فرضته حساسية سياسية قديمة جديدة: ذكر اسم المغرب لم يعد مجرد كلمة، بل اختبار ولاء.

عندما يصبح الاسم موقفاً سياسياً

في محاولة للهروب إلى الأمام، لجأت بعض المنابر إلى استعمال توصيفات بديلة من قبيل “البلد المنظم” أو “نظام المخزن”، وكأننا أمام بطولة تُنظمها بنية سياسية لا دولة ذات سيادة.

لكن المفارقة أن هذا الالتفاف اللغوي لم يخفف الارتباك، بل كشفه. فالتحليل الرياضي تحوّل إلى تمرين في حذف الأسماء، والنقاش التقني صار حذراً لغوياً، والمحللون وجدوا أنفسهم يناقشون بنية تحتية “ممتازة” لبلد “غير قابل للتسمية”.

حتى المنتخب المغربي جرى تجريده من اسمه، ليصبح “منتخب البلد المضيف”، وكأن الهوية الوطنية أصبحت عبئاً لغوياً لا ضرورة له.

ما قبل البطولة… وما بعدها

هذا الارتباك لم يولد مع صافرة الافتتاح. فقد سبقه، قبل أسابيع، خطاب إعلامي جزائري متشكك، بل ساخر، من جاهزية المغرب، ملاعب “غير مكتملة”، أوراش “على الورق”، وتنظيم “محفوف بالمخاطر”.

غير أن الواقع، كما هو معتاد، لم ينتظر الإذن الإعلامي كي يظهر. الملاعب افتُتحت في وقتها، البنيات التحتية اشتغلت بسلاسة، والافتتاح جاء محكماً، منظماً، ومدروساً بعناية.

هنا، انتقلت الأزمة من مرحلة التشكيك إلى مرحلة الإنكار.

الجزائريون… يكسرون السردية

ما لم تحسب له حسابات غرف التحرير في الجزائر، أن جمهور اليوم لا يكتفي بما يُقال له. آلاف المشجعين الجزائريين الذين حلّوا بالمغرب، حملوا معهم هواتفهم، لا لتصوير الأهداف فقط، بل لتوثيق الواقع.

فيديوهات عفوية انتشرت بسرعة: طرق سيارة، قطارات سريعة، تنظيم حضري، استقبال شعبي، تنقل سهل، وملاعب جاهزة. لا تعليق سياسي، لا مونتاج دعائي… فقط واقع يُصوَّر.

في دقائق، انهارت سردية صُنعت خلال سنوات. لا لأن أحداً دافع عن المغرب، بل لأن الواقع قرر أن يتكلم بنفسه.

من يخاف من النجاح؟

الأسئلة التي طفت داخل الشارع الجزائري كانت بسيطة، لكنها محرجة:

كيف استطاع بلد بلا نفط ولا غاز أن ينظم حدثاً قارياً بهذا المستوى؟

ولماذا يبدو الفرق شاسعاً بين الصورة التي رُسمت لنا، وما نراه بأعيننا؟

أسئلة لا يحب الإعلام المؤدلج سماعها، لأنها لا تُهاجم أحداً، بل تُربك الرواية.

كرة القدم… مرآة السياسة

ما وقع في تغطية كأس إفريقيا 2025 ليس مجرد خلل مهني، بل عارض سياسي. حين يصبح اسم بلد جار مشكلة، فالمسألة لا تتعلق بالرياضة، بل بعلاقة غير صحية مع الواقع.

لقد تحوّل “الكان” في المغرب من تظاهرة كروية إلى اختبار وعي. اختبار خسره إعلام اختار الهروب من الاسم بدل مواجهة الصورة، والإنكار بدل التحليل، واللغة الملتوية بدل الخبر الواضح.

وفي النهاية، انتصرت الحقيقة البسيطة:

يمكن حجب الكلمات… لكن لا يمكن حجب الواقع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com