الحكومة صادقت على مشروع قانون 20.22 كبداية لتكميم الأفواه
هكذا نجد المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية باعتباره الإطار الدولي الأساسي الذي يقنن هذا الحق تنص على أنه: “لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة ولكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو بأي وسيلة أخرى يختاره”.
وهذا ما أكده الفصل 25 من الدستور المغربي حيث اعتبر: “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها”، بل أكثر من ذلك جعل مجموعة من الحقوق المرتبطة بحقل حرية الرأي والتعبير من الحقوق المضمونة، حيث نص الفصل 29 من الدستور المغربي على “أن حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة، ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات، حق الإضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته”.
هذه مبادئ ونصوص قانونية يفترض أن توفر الحماية القانونية لأهم الحقوق الأساسية للإنسان، فهل يا ترى تلتزم الدولة المغربية بها وتعمل على تنزيلها على أرض الواقع أم هي مجرد حبر على ورق؟
للأسف عبرت أغلب التقارير الحقوقية الوطنية والدولية عن قلقها الشديد من التردي الحقوقي، ومن السياسات الأمنية التي تنهجها الدولة تجاه مواطنيها، حيث يسجل استمرار واضح للتعاطي الأمني، واستعمال العنف المفرط، واستغلال القضاء لقمع المطالب الشعبية السلمية والعادلة، التي تصاعدت أمام التأزم الاجتماعي والسياسي والتنموي الذي يعيشه المغرب في فترة الحجر الصحي ، ابتداء من ترهيب الصحفيين و منعهم من آداء واجبهم ، وكذا التدخلات الأمنية العنيفة التي تعرض لها المواطنين الذين فرض عليهم الحجر الصحي دون أن يتوصلوا بأي مساعدات إجتماعية ، ومرورا بالتدخل الغير القانوني لوزارة الداخلية في التضييق على الصحفيين و المؤسسات الإعلامية بلغت مداها الى منع الجسم الإعلامي من آداء واجبه كسلطة رابعة ، فضلا عن تقديم مشروع القانون 20.22، الذي يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي، والبث المفتوح، والشبكات المماثلة، بتاريخ 19 مارس 2020. وجر مشروع القانون المذكور انتقادات شديدة على الحكومة، بسبب مضامينه، التي وصفها كثير من الحقوقيين بأنها مس بحرية التعبير، وحرية الرأي، من ضمنها تجريمه الدعوة إلى مقاطعة منتجات، وتضمنه للكثير من العقوبات السالبة للحرية، التي تصل إلى خمس سنوات سجنا، وغرامات تصل إلى عشرة ملايين سنتيم.
أيضا استمر التضييق والاعتقال التعسفي والمحاكمات السياسية الصورية، الفاقدة لشروط المحاكمة العادلة ضد الفاعلين الجمعويين والحقوقيين والإعلاميين، لتقييد الحق في المعلومة وحرية التعبير وخنق الإعلام والصحافة المستقلة .
كما كشفت تقارير المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية بؤس الوضعية الحقوقية بالمغرب، ومنها تقرير مراسلون بلا حدود لسنة 2019 الذي سجل تراجع المغرب في مجال حرية الصحافة، وفي هذا السياق استمرت المحاكمات غير العادلة للصحفيين حميد المهداوي وتوفيق بوعشرين وعمر الراضي، وتعرض الناشطان الإعلاميان سعيد بوغالب وعدنان أحمدون وآخرون لمتابعات في عدة قضايا أمام المحاكم تهم نشاطهم الإعلامي.
ولعل أخطر انتهاك عرفه المشهد الحقوقي بالمغرب، هو الزج بأطفال لم يتجاوز سنهم ثمانية عشرة ربيعا في السجن لمدة 3 سنوات، كما حدث للتلميذ أيوب محفوظ بمدينة مكناس غرب المغرب بسبب تدوينة له في الفايسبوك ينتقد فيها الوضع الحقوقي والاجتماعي في البلد، وكذا استمرار الدولة في انتهاك الحق في التنظيم؛ حيث حرمت السلطة مجموعة من الهيئات الحقوقية من وصولات الإيداع القانونية، وضيقت على تحركات نشطائها العاملين بالفروع التابعة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان.
خلاصة القول، إنه إذا قمنا بقراءة سريعة وخاطفة لمجموعة من الأحداث التي يعيشها وطننا الحبيب؛ من تكميم للأفواه، وسلب للحريات، وتلفيق للتهم، وتضييق ممنهج على الجمعيات الحقوقية، وتشويه لصورة المعارضين وسمعتهم بشتى الوسائل القبيحة والخسيسة عن طريق الضرب من تحت الحزام، يجعلنا أمام خلاصة مفادها أن السلطات تخوض مع معارضيها ما يسمى بحرب المربعات، حرصا منه على استرجاع ما ضاع منه أثناء انطلاق حراك 2011، مما يحتم على الأسرة الحقوقية و الجسم الصحفي والفعاليات المجتمعية أن تقرأ المرحلة قراءة صحيحة ودقيقة بعين فاحصة، وتشكل جبهة ممانعة ضد تغول وتنمر السلطة الحاكمة .