تحويلات مغاربة العالم: باريس تُلين لهجتها… والمغرب يُنقذ ما يمكن إنقاذه قبل أن يُقطع الحبل السري!
بوشعيب البازي
بعد أشهر من الشد والجذب، وفصول تفاوضية تشبه مسلسلات التشويق الأوروبية، نجح المغرب أخيرًا في انتزاع “لا” فرنسية… أقل حدة مما كانت تبدو عليه في البداية، بشأن توجيه أوروبي كاد يُفقد الاقتصاد المغربي أحد أبرز شرايينه الحيوية: تحويلات مغاربة العالم.
نعم، فبعد أن بدأ التوجيه الأوروبي الجديد يلوح في الأفق ككابوس تشريعي يهدد بمنع البنوك المغربية من مواصلة نشاطها في أوروبا، تحركت الرباط مدفوعةً بوعي عميق بأن الأمر ليس مجرّد تعديل قانوني، بل تهديد صريح للميزان المالي ولمعنويات الجالية التي ألفت إرسال دراهم الحنين كل شهر.
الجواهري يُطمئن: “أنا الآن أكثر اطمئنانًا”… ونحن بدورنا نحاول أن نصدّقه
خلال خروجه الإعلامي الأخير، بدا عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، في حالة نادرة من التفاؤل، مُعلنًا أن فرنسا “فهمت أخيرًا” أن تحويلات مغاربة العالم ليست مجرد تحويلات، بل عقيدة اقتصادية ومسألة سيادية تمس القلب المالي للمملكة.
قال الجواهري إن الخزينة الفرنسية أبدت “تفهمًا كبيرًا” بعد أن أغرقتها الرباط بوثائق وأرقام ومرافعات تُذكر بمحكمة لاهاي، قبل أن تقتنع باريس بأن عرقلة البنوك المغربية لا يعني فقط التضييق على مؤسسات مالية، بل قد يؤدي أيضًا إلى إثارة حفيظة ملايين المغاربة في الديار الفرنسية… وهؤلاء لا يُستهان بهم، خصوصًا في موسم الانتخابات.
من التشريع إلى التهديد: عندما يخطط الأوروبيون لقطع الحبل السري… بـ”نية طيبة”
التوجيه الأوروبي، الذي صيغ أصلًا لمعاقبة البنوك البريطانية بعد “بريكست”، لم يُفرّق بين بنك “باركليز” وبنك “القرض الفلاحي المغربي”. هكذا، وببساطة بيروقراطية معتادة، كاد هذا التوجيه أن يُحول مكاتب البنوك المغربية في أوروبا إلى أطلال تنظيمية.
ولأنه “لا يضيع حق وراءه تحويل مالي”، تحركت الرباط بسرعة وأنشأت خلية دائمة تضم بنك المغرب ووزارات الخارجية والمالية وبعض البنوك المغربية، مهمتها: إقناع أوروبا بأن المغرب ليس بريطانيا، وأن تحويلات المهاجرين لا يجب أن تُقاس بنفس مقياس العقوبات المصرفية.
فرنسا أولًا… والبقية تأتي حسب المزاج
في استراتيجية تفاوضية لا تخلو من الواقعية، قرر المغرب أن يبدأ بفرنسا، باعتبارها الأم العاطفية لتحويلات الجالية، حيث تمثل وحدها أكثر من 30% من التحويلات نحو المملكة.
وجاء الرهان موفّقًا: تليين فرنسي، وارتياح مغربي، وقصة نجاح صغيرة في بحر من التحديات.
لكن الاحتفال مؤجل، لأن البقية – إسبانيا، إيطاليا، هولندا، بلجيكا – لا تزال تنتظر، وقد يكون موقفها أقل مرونة، خصوصًا إذا دخلت الحسابات الانتخابية، أو ظهرت نزوات سيادية فجائية من نوع “لنحمي أسواقنا المالية من بنك المغرب!”
نهاية النفق؟ أم مجرد استراحة قبل العاصفة؟
صحيح أن الاتفاق مع فرنسا سيُعرض على المفوضية الأوروبية للمصادقة، لكن المفوضية ليست دائمًا على نفس التردد مع العواصم الأوروبية. وما دامت كل دولة أوروبية ستُفسر التوجيه حسب أهوائها السيادية، فإن مسار الإنقاذ لم ينتهِ بعد، خصوصًا وأن الجالية لا تحتمل سياسة “التمهل الاستراتيجي”.
تحويلات مغاربة العالم ليست فقط أموالًا تُرسل في نهاية كل شهر، بل هي سلوك وجداني، وممارسة وطنية، وتاريخ طويل من التعلق بالجذور. فكل تحويل هو بمثابة استفتاء غير معلن على الثقة في الوطن. وأي تقييد أوروبي لهذا المسار هو – ببساطة – تشكيك في وطنية الملايين.
في انتظار الجولة القادمة… وحقيبة مليئة بالأوراق
يستعد المغرب الآن لجولة جديدة من المفاوضات مع دول أخرى. ومعه حقيبة ممتلئة بالأرقام، والخطابات، والتطمينات، وربما ببعض الرسائل من الأمهات اللواتي يقلن: “ولدي في بلجيكا حوّل لي، الله يرضي عليه… لا توقفوا علينا هاد الخير!”
نعم، قد لا تفهم بروكسل هذه العبارات، لكنها حتمًا ستفهم أن المغربي لا يعبث حين يتعلق الأمر بالتحويلات، وأن البنوك المغربية ليست دكاكين طوارئ بل جسور عاطفية تربط الوطن بأبنائه.