القمة الأمريكية الإفريقية في لواندا: واشنطن ولواندا تستبعدان “البوليساريو” وتؤكدان دعمهما للمبادرات الواقعية

بوشعيب البازي

لواندا – في تطور دبلوماسي بالغ الدلالة، تم استبعاد ما يُعرف بـ”الجمهورية الصحراوية” الوهمية من أشغال الدورة السابعة عشرة للقمة الأمريكية الإفريقية للأعمال، المنعقدة حاليًا في العاصمة الأنغولية لواندا. القرار الذي اتخذ بشكل مشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية أنغولا، يعكس تحوّلًا نوعيًا في مواقف بعض الدول الإفريقية تجاه النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.

هذا الإقصاء لا يمكن فصله عن التغير الذي طرأ على موقف أنغولا نفسها، التي كانت تُعتبر سابقًا من أبرز الداعمين للكيان الانفصالي. ففي عام 2022، أعلنت لواندا سحب اعترافها بـ”البوليساريو”، مفضلة توطيد علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع المملكة المغربية، في إطار مقاربة براغماتية تراعي الواقع الجيو-استراتيجي الجديد في القارة.

دعم إفريقي متزايد للموقف المغربي

قرار استبعاد الكيان الانفصالي يأتي كذلك في سياق إقليمي متحوّل، حيث بات أكثر من 90% من الدول الإفريقية يدعمون صراحة الوحدة الترابية للمملكة المغربية، وينظرون إلى مبادرة الحكم الذاتي، التي تقدم بها المغرب منذ 2007، باعتبارها الإطار الواقعي والجاد لحل هذا النزاع المزمن.

ولم يكن الموقف الأنغولي الوحيد في هذا الاتجاه. بل إن عدداً متزايداً من الدول الإفريقية قرر إعادة تقييم مواقفه التقليدية، متأثراً بالمواقف الدولية الكبرى، وعلى رأسها الموقف الأمريكي، الذي اعترف بسيادة المغرب على صحرائه منذ دجنبر 2020، وهو ما تبنته لاحقًا كل من فرنسا، بريطانيا، وإسبانيا.

تمثيل رفيع للمملكة المغربية

وقد شارك المغرب في هذه القمة بوفد وازن ترأسه السيد كريم زيدان، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار وتقييم السياسات العمومية، ممثلاً لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. وضم الوفد مسؤولين من مؤسسات استراتيجية، كالمكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن، والمكتب الوطني للسكك الحديدية، بالإضافة إلى فاعلين في القطاع الخاص والبنكي، في تجسيد لتوجه المملكة نحو شراكة إفريقية-أمريكية متعددة الأبعاد.

وتندرج هذه المشاركة في إطار الرؤية الملكية الرامية إلى تعزيز الشراكات الاقتصادية مع القارة الإفريقية، وجعل المغرب منصة جذب للاستثمارات، خصوصاً في قطاعات واعدة كالصناعات الخضراء، الطاقات المتجددة، صناعة السيارات والطيران.

المغرب شريك موثوق للولايات المتحدة في إفريقيا

وتعكس مشاركة المغرب في هذه القمة مدى عمق الشراكة الاستراتيجية التي تربط المملكة بالولايات المتحدة، والتي تعززت منذ دخول اتفاق التبادل الحر بين البلدين حيز التنفيذ سنة 2006. وتعد المملكة اليوم من أبرز الشركاء الاقتصاديين لواشنطن في القارة الإفريقية، بما توفره من بيئة استثمارية مستقرة، وبنية تحتية تنافسية، وإصلاحات مؤسساتية عميقة.

القمة، التي تعرف حضور أكثر من 1500 مشارك من قادة دول ومسؤولين حكوميين وممثلين عن كبريات الشركات، تشكل فرصة لتكريس المغرب كفاعل محوري في العلاقات الاقتصادية الدولية، وكوجهة آمنة وموثوقة للاستثمار في القارة الإفريقية.

رسائل سياسية واضحة

بعيدًا عن الطابع الاقتصادي الظاهري، فإن هذا الحدث يحمل دلالات سياسية قوية. فاستبعاد “البوليساريو” يبعث برسالة واضحة إلى الأطراف التي لا تزال تراهن على أطروحات انفصالية خارج السياق التاريخي والواقعي. كما يؤكد مرة أخرى أن منطق الدول والمصالح أصبح مرجعية أساسية في التعاطي مع القضايا الإقليمية، بعيدًا عن الإيديولوجيا البائدة والشعارات الجامدة.

في الختام، تشكل القمة الأمريكية الإفريقية في لواندا لحظة مفصلية لإعادة تموقع مغرب الغد كقوة اقتصادية إقليمية، وشريك سياسي موثوق، في وقت تتساقط فيه أوراق الدعم للكيانات الوهمية التي لم يعد لها مكان في مشهد دولي قائم على الواقعية، التنمية، والشراكات البناءة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com