في نشرة استثنائية صادرة عن وكالة الأنباء الجزائرية، اختلط الحبر بالبخور، وتحول عبدالمجيد تبون، رئيس الجمهورية، إلى شخصية فوق-دستورية، ذات قدرات تتراوح بين استنهاض مؤسسات نائمة منذ الاستقلال، إلى قهر لعنة المحروقات، بل وحتى مصافحة الذكاء الاصطناعي في وضح النهار. كل ذلك في ست سنوات فقط. ست سنوات، لا أكثر، من “التحول الجذري” الذي جعل من الجزائر ـ حسب الوكالة ـ دولة تكاد تتقدم على المستقبل نفسه.
التقرير الذي حمل عنوان “عهد تبون.. عودة الريادة الجزائرية”، جاء خاليا من أي سياق انتخابي، لا بداية عهدة ولا نهايتها، ولا حتى نصف ولاية. لكن من قال إن للرؤساء في الجزائر علاقة بالتقويم الميلادي؟ فتبون، كما صوّرته البرقية، لا يُقاس زمنه بالسنة والشهر، بل بالمعجزة والوعد.
وقد أبدعت الوكالة في استعراض منجزات السيد الرئيس، فتحدثت عن “إعادة التأسيس السياسي”، وعن “خيوط الثقة” التي نُسجت من حرير الخطابات، رغم أن الجزائري العادي لا يزال يبحث عن خيط كهرباء لا ينقطع أو موعد طبي لا يؤجل. كما احتفت بتبني “الذكاء الاصطناعي” وكأن البلاد قد سبقت وادي السيليكون، بينما الواقع يشهد أن الطالب الجزائري ما زال يصارع من أجل طابعة تشتغل.
ولأن السياسة لا تكتمل دون اقتصاد، بشرنا التقرير بأن مداخيل ما بعد المحروقات ستبلغ 30 مليار دولار بحلول 2030، مع أن الحصيلة الحالية لا تتجاوز سبعة مليارات. لكن لا بأس، فنحن في بلد لا تحكمه الأرقام بل الإلهام، وكل من يشكك في هذه الأرقام فهو إما عميل للخارج أو يفتقر إلى الإيمان بالمعجزات التنموية.
أما “دور الجزائر الإقليمي”، فقد ارتقى ـ حسب الوكالة ـ من المجاز إلى الأسطورة. فالجزائر اليوم صوت القارة، وضمير القضية الفلسطينية، وعقل الساحل، وحكمة المتوسط، ومرآة التاريخ. كل ذلك بصوت واحد، وخطاب واحد، وقناة رسمية واحدة. فقط لا تسأل عن العلاقات المأزومة مع الجيران، ولا عن الأزمة مع أوروبا، ولا عن عدد السفراء الذين ما زالوا في عطلة دبلوماسية دائمة.
ولأن الحملة لا تكتمل دون جوقة، انبرت الصحف والمواقع المحلية لتعيد نشر البرقية، بالجملة والمفرق، في انسجام كأننا أمام كورال وطني للتسويق السياسي. هكذا تصبح وكالة أنباء دولة، في غياب استطلاعات رأي، هي نفسها الحاكم والمحكوم والمُقيّم. فالرئيس، حسب التقرير، يحب “المواطن”، بل ويضعه “خطا أحمر”. لكن المواطن، في الواقع، يبحث عن دوره في مسرحية لم يُدعَ إليها.
في النهاية، لا بد أن نعترف: عبدالمجيد تبون هو رئيس دولة استثنائية في إدارة استثنائية في مرحلة استثنائية، حيث تُحسب الإنجازات بالنوايا، وتُقاس الثقة بالإعلام الرسمي، وتُستخرج الأرقام من دفتر الأمنيات.
فهل نحن أمام رئيس، أم أمام بطل قومي بامتيازات خيالية؟
وهل هي دولة تسعى نحو التنوع الاقتصادي، أم نحو تنويع الأوصاف للرئيس؟
كل شيء ممكن في تبونولوجيا، حيث الإعلام لا يغطّي الواقع، بل يعيد كتابته من جديد.